وقد طلبت إلى هذا العالم أن يتحف عالمنا النسائي من وقت إلى آخر بشيء عن الآثار ومستقبلها، فقال لي: إنه يخدم بسرور النهضة العلمية في هذه البلاد؛ لأنه لم يأت بيروت إلا لهذه الغاية. وبهذه المناسبة أعطاني رسمين يمثلان نقوشا من نعشين عثر عليهما في دمشق؛ وهما نعشا سكينة وفاطمة الشهيرتين.
والمقال الآتي الذي بعث به إلى المؤتمر الفني في باريس ونشرت شيئا منه مجلة «سوريا»:
في مدفن الباب الصغير في دمشق قرب الجامع الذي نقش عليه شعار السلطان مملوك الملك الظاهر بيبرس يوجد قبر له قبتان، وهما - حسب التقاليد التي يتناقلها الدمشقيون عن الأساطير القديمة - يضمان أم كلثوم ونسيبتها سكينة ابنة الحسين، وبقرب هذين القبرين يوجد قبر ذو قبة واحدة يقال: إنه قبر فاطمة الصغيرة أخت سكينة.
وقد خربت هذين القبرين زلزلة فأعيد بناؤهما مؤخرا في نفس مكانهما القديم، وقد كلف بالبناء مهندس من أصل فارسي، هو السيد الفاضل سليم المرتضى، وهو يحتفظ بهذين القبرين كأقدس ذخيرة يملكها أبناء مذهبه.
والسيد سليم هو الذي عثر أثناء عمله في إعادة بناء القبرين على نعشي سكينة وفاطمة اللذين أتكلم عنهما.
هذان النعشان موضوعان في مغارة تحت الأرض لا يدخلها إلا المقربون، ويقول السيد سليم: إن جسدي السيدتين الكبيرتين موجودان في سرداب تحت الأقبية.
ونعش سكينة مصنوع من خشب الجوز، طوله متران و65 سنتيمترا، بعرض متر و50، وعلو 74 سنتيمترا، ألواحه مقسومة إلى ثلاثة أقسام، على القسم الأعلى كتابة بالحروف الصغيرة تمثل الكلمات الأولى من سورة العرش، ويجيء بعدها اسم الناقش هكذا:
هذا عمل محمد بن أحمد بن عبد الله - رحمه الله.
ويرى بعد هذه الكتابة خط دقيق بارز يفصل بين القسم الأعلى والقسم الأوسط، حيث حفرت الكتابة بالحرف الكوفي المتقن، ويلي هذه الكتابة إلى الأسفل نقوش على شكل الأغصان اضمحلت وتكاد أن لا تظهر.
وقد نقشت بين الحروف أغصان وأوراق متشعبة، ولكنها متناسبة، وهي داخلة في الخشب غير بارزة، واضحة على كثرتها، تذكر بالفن الهندي، ونحيفة إزاء الخط الكوفي الجميل الذي يرمز إلى شرف أصل ابنة سبط النبي.
صفحه نامشخص