116

ليس لي رأي إزاء ما يرتئيه أساطين المسلمين.

ومي الصادقة الصريحة تقول الحق لأنها تعتبره حقا وإنصافا، تقوله صراحا بدون محاباة، لا تراعي فيه حتى ولا المحبة، كذا تقابل بين الباحثة وقاسم أمين. وهذه المقابلة مع ما سبقها من البرهان، وما تبعها من الاستنتاج، هي آية في الإبداع خلاصتها أن الباحثة تصلح كامرأة، وكامرأة هي مقيدة بالعادات والتقاليد، حذرة أبدا. هي تحوم فوق بيئتها، ولكنها لا تزال خائفة، وما أحسن «مي» تصور لنا الباحثة وحيدة في فكرها، تصرخ وسط وحدتها لتوهمنا أنها غير خائفة.

أما قاسم فهو أمين مما يقول، سلطان كصاحب الحق، شاعر بدون خوف ولا ارتعاش، إنه يقول الحق؛ لذلك هو يجلس على كرسي القضاء، ويطلب تحرير المرأة حبا بالسعادة الحلال، تلك السعادة التي يريدها لأمه وأخته وزوجته.

هذه هي مي أيها المواطنون، مي الوصافة، العالمة، الجريئة، الوديعة، الرقيقة، الصريحة.

وهنالك «مي» ثانية تتطور مع الدقائق، وتتجدد عند كل شروق وكل غروب، تلك «مي» الجديدة بعد أن زارت لبنان وساهرت نجومه في لياليه الخلابة، مي الجديدة السباقة في نشر دعوة لبنان أيان يرن صوتها الرنان. أما رأيتموها تتململ وتنادي من على صحائف «الهلال» أين وطني؟ أريد وطنا أموت لأجله أو أحيا به. كذا تقول مي.

وطنك يا مي هو هذا الجبل القديم الذي كان وطنا من قبل أن تتكون كلمة «الوطنية» في عقول الناس. هنا وطنك، لبنان الوجيع، تغضب عليه الليالي فتحشره في كل مسألة من مسائل الشرق، ثم تقتطع سهوله، ثم تميته تجويعا وشنقا. ولقبس من نور يطلع عليه، لنهلة من مياه الحياة، لرمق يعاد إليه تزلزل الأرض زلزالها وهو لا يزال الشيخ الكريم يضحك من بخل الناس وصغارة الناس، ويفرق على العالم الشرقي من دماء قلبه، وفلذات كبده حججا أزلية على حقه في الحياة.

نعم يا مي، ليس لنا أعلام ذات خطوت وألوان ونجوم وأهلة وصلبان، إنما لنا - يا رافعة العلم - أعلام سيارة تسير خفاقة فوق الهند والحجاز والعراق ووادي النيل والسين والهدسن والأمازون.

ولنا أعلام قديمة مضرجة بدمائنا ودموعنا مطوية في جوف التاريخ، هي ضحايانا القديمة والحديثة نحملها على أيدينا، ونريها للناس فيذكرون الوفاء.

هنا وطنك يا ابنة لبنان، فبشري بالرجوع إليه، فلا يقوم بالأوطان سوى أكتاف الرجال وقلوب النساء.

هذا وطنك مجتمع هنا، صورة مصغرة، برجاله ونسائه وبناته وصحافته وأدبائه ومدارسه ومعاهده وكشافته؛ ليحتفل «بميه» الوحيدة، ويشيعها بكلمة حب وحنان.

صفحه نامشخص