110

إلى روح أبي أمين1

يجتمع كبار الأمة اليوم لتكريم فقيدها مرة ثالثة، وفي هذا كل الإثبات على أن في الوطن من يعتقد أن أحمد مختار أتى في حياته عملا يستحق من أجله الإكرام.

إن أبا أمين ما كان كاتبا ولا خطيبا ولا شاعرا ولا مشترعا، إنه ما كان لغويا يقضي السنين منحنيا على المخطوطات القديمة ليجد فيها كلمة تضاف إلى معاجم اللغة، ولا عالما يفني حياته بفحص ملايين الذرات ليكتشف حقيقة حيوية جديدة، إنه كان عاملا نشيطا في سبيل النهضة النسائية.

أيها الكرام، إذا ما ذكر التاريخ رجال نهضة الشرق، فسيذكر في طليعتهم قاسم أمين وأبا أمين.

أما قاسم أمين، ربيب وادي النيل، فقد أرسل آراءه النظرية في محيط يعد بين رجاله؛ أمثال محمد عبده، والمنفلوطي، وحافظ، وشوقي، والمطران، ونمر، وصروف، وزيدان وسواهم.

وأما فقيد بيروت، فبدون مقدمات أو نظريات تقدم وفتح باب الأمة على مصراعيه، وأخذ بيد كرائم المسلمات وقال لهن: هذه ساحة العمل، هنا أيتام تطلب الرحمة، وهنا نسوة تعيش على قشور الفاكهة، وهنا أولاد ينشئون متمرغين في الشوارع وتحت دواليب العربات، فكانت إذ ذاك الجمعية المعروفة،

2

وكان من حسناتها: النادي، ومدرسة النادي، وهذا المصنع، ودار الأيتام. أخذ أبو أمين بيد من تفتخر بهن بيروت، ومن خلال الحجاب الكثيف أطل بهن على هذا المجتمع حيث تراكمت أنقاض ماضينا المظلم، وقال لهن: لكن من نفوسكن النيرة ما يقيكن العثرات. تقدمن في طريق النور.

يعتقد البعض أن من يقول للمرأة المسلمة أن تساعد في ترميم الوطن المتهدم إنما هو يدفعها إلى نزع الحجاب. هذا البعض مخطئ في ظنه لأن مسألة الحجاب في نظر من يجاهدون مسألة جزئية لا تستحق أن يقف عندها مفكر.

المهم هو أن يكون عندنا نساء يعرفن ما عليهن من الواجبات، وما لهن من الحقوق؛ ولأجل هذا الأمر وضع أحمد مختار حجر الزاوية في النهضة النسائية الإسلامية.

صفحه نامشخص