از نقل به ابداع
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
ژانرها
أما الفلسفة البتراء وفيلسوف الزور والبهرج فيلسوف الباطل فهو الذي يشرع قبل أن يتعلم العلوم أو أن يتعلم العلوم دون أن يكون موطأ لها. التشريع في النظر أهلية واستعداد وفطرة. وهي الشروط التي ذكرها أفلاطون في كتاب «السياسة»، أن يكون جيد الفهم والتصور للشيء، حفوظا وصبورا على الكد، محبا للصدق وأهله، والعدل وأهله، غير جموح ولا لجوج في أهوائه، غير شره على المأكول والمشروب، وتهون عليه الشهوات والدرهم والدينار، كبير النفس عما يشين عند الناس، وربما سهل الانقياد للخير والعدل، وعسر الانقياد للشر والجور، قوي العزيمة على الشيء الصواب، ربي على نواميس وعادات ما فطر عليه، صحيح الاعتقاد لآراء الملة التي نشأ عليها، متمسكا بالأفعال الفاضلة التي في ملته، غير مخل بكلها أو معظمها، متمسكا بالفضائل غير المنحلة بالأفعال الجميلة، وإلا كان فيلسوف زور وبهرج وباطل.
الفيلسوف الباطل هو الذي تحصل له العلوم النظرية دون كمالها الأخير ودون تحقيقها بكل إمكانياتها. هو الذي لم يشعر بفرض الفلسفة فيحصل على النظري دون العملي، وعلى المعرفي دون الأخلاقي. وظن أن السعادة ما ظنه الجمهور، خيرات فطلبها، قد يناله وقد لا يناله، والفيلسوف البهرج هو الذي يتعلم العلوم النظرية دون تزويرها ولكنها لم تتحول لديه إلى أفعال فاضلة أو الجميلة بحسب الملة بل تابع هواه وشهواته في كل شيء، والفيلسوف المزور هو الذي تعلم العلوم النظرية من غير أن يكون معدا بالطبع نحوها وهو أقل من الباطل والمزور لأن الباطل والمزور على الأقل حصل كل منهما على العلوم النظرية دون أن تتحول عنده إلى فضائل أو اضمحلت عندها تدريجيا لكبر السن فتنطفئ علومهما أشد من انطفاء نار أرقليطس الذي يذكره أفلاطون لأن طباع الأول وعادة الثاني يقهران ما تعلماه في شبابهما ويثقلان عليه ما قد احتملا الكد فيه فيهملانه، فتضيع الثمرة وإن حدث الغرس. أما المزور فهو الذي لا تتوافر فيه الأهلية على العلوم النظرية منذ البداية. والفيلسوف الحق هو الذي جمع بين الفضائل الفطرية والفكرية والخلقية والعملية سواء انتفع به الناس أو كمل في ذاته. فالملك والإمام بماهيته وصناعته وليس بقبول الناس له. كما أن الطبيب طبيب حتى دون علاج للمرضى، فالقمة قائمة سواء وجدت القاعدة أم لم توجد. إلى هذا الحد بلغ استقلال الرياسة عند الفارابي حتى غياب المرءوسين. وتنتهي الرسالة بالحمدلة والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
33
ويلاحظ على تحصيل السعادة الآتي: (1)
إن البنية في «تحصيل السعادة» التي أراد الفارابي ضم أفلاطون وأرسطو فيها هي بنية أفلاطونية إشراقية وليست بنية محايدة. والفارابي أفلاطوني النزعة. فكان ضم المذهبين في تصور ثالث غير متعادل منذ البداية لصالح أفلاطون أكثر منه لصالح أرسطو. (2)
يوحد الفارابي بين المنطق والوجود، بين الميتافيزيقا والطبيعة، بين النظر والعمل، والرياضيات شرط العلوم كلها كما عرض في «إحصاء العلوم». (3)
الفلسفة إعادة إنتاج كل شيء وليست مجرد غاية في ذاتها. هي أداة للمعرفة الشاملة، علم العلوم، فضيلة الفضائل، صناعة الصناعات. الفلسفة ليست حرفة يحذقها الحرفي بل أداة تعرف بها كل العلوم والصناعات. (4)
يظهر الموروث عن بعد، وبطريق ضمني غير مباشر مثل التركيز على الفطرة والطبيعة والاستعداد، والتوحيد بين الجميل والخير والنافع، وضرورة التشريع للمجتمع، وتحول الطبيعة إلى إرادة، وجعل الفضائل فطرية وبالاختيار. (5)
الفلسفة أعلى من الدين، والحقيقة أكمل من الملة. الفلسفة يقين في حين أن الملة تعتمد على الإقناع أو التخييل. الفلسفة الخاصة والملة العامة، وهو ما ظهر عند ابن سينا وابن رشد بعد ذلك. (6)
تحويل الفلسفة النظرية إلى فلسفة في الأخلاق والسياسة والاجتماع والقانون والتاريخ الفلسفة ليست فقط مرتبطة بالفرد ولكنها أساس المنازل والطوائف والمدن والأمم والمعمورة كلها، وتنوعها بحسب اختلاف الزمان والمكان. (7)
صفحه نامشخص