فأما قوله: " وعلموا أن العاقبة للمتقين " ففيه إشارة إلى معنى غامض قصده الجاحظ، يعنى أن لا فضيلة لعلى عليه السلام في الجهاد، لان الرسول كان أعلمه أنه منصور، وأن العاقبة له. وهذا من وساوس الجاحظ وهمزاته ولمزاته، وليس بحق ما قاله، لان رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم أصحابه جملة أن العاقبة لهم، ولم يعلم واحدا منهم بعينه أنه لا يقتل لا عليا ولا غيره. وإن صح أنه كان أعلمه أنه لا يقتل فلم يعلمه أنه لا يقطع عضو من أعضائه، ولم يعلمه أنه لا يمسه ألم الجراح في جسده، ولم يعلمه أنه لا يناله الضرب الشديد.
وعلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أعلم أصحابه قبل يوم بدر، وهو يومئذ بمكة، أن العاقبة لهم، كما أعلم أصحابه بعد الهجرة ذلك. فإن لم يكن لعلى والمجاهدين فضيلة في الجهاد بعد الهجرة لاعلامه إياهم بذلك فلا فضيلة لأبي بكر وغيره في احتمال المشاق قبل الهجرة، لاعلامه إياهم بذلك. فقد جاء في الخبر: أنه وعد أبا بكر قبل الهجرة بالنصر، وأنه قال له: أرسلت إلى هؤلاء بالذبح وأن الله سيغنمنا أموالهم ويملكنا ديارهم، فالقول في الموضعين متساو ومتفق (1).
(15) ص 41 - 42 من العثمانية
ما نرى الجاحظ احتج لكون أبى بكر أغلظهم وأشدهم محنة إلا بقوله: لأنه أقام بمكة مدة مقام الرسول صلى الله عليه وآله بها. وهذه الحجة لا تختص أبا بكر وحده، لان عليا عليه السلام أقام معه هذه المدة، وكذلك طلحة وزيد وعبد الرحمن وبلال وخباب وغيرهم. وقد كان الواجب عليه أن يخص أبا بكر وحده بحجة تدل على أنه كان أغلظ الجماعة وأشدهم محنة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. فالاحتجاج في نفسه فاسد.
صفحه ۳۲۱