قلنا: قد وافقتمونا على الدعاء - وحكم الدعاء حكم الامر والتكليف - ثم . ادعيتم أن ذلك كان على وجه العرض. وليس لكم أن تقبلوا معنى الدعاء إلا لحجة.
فإن قالوا: لعله كان على وجه التأديب والتعليم، كما يعتمد مثل ذلك مع الأطفال.
قلنا: إن ذلك إنما يكون إذا تمكن الاسلام بأهله، أو عند النشو عليه والولادة فيه. فأما في دار الشرك فلا يقع مثل ذلك، لا سيما إذا كان الاسلام غير معروف ولا معتاد بينهم. على أنه ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أطفال المشركين إلى الاسلام والتفريق بينهم وبين آبائهم قبل أن يبلغوا الحلم. وأيضا فمن شأن الطفل اتباع أهله وتقليد أبيه والمضى على منشئه ومولده. وقد كانت منزلة النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ منزلة ضيق وشدة ووحدة، وهذه منازل لا ينتقل إليها إلا من ثبت الاسلام عنده بحجة، ودخل اليقين قلبه بعلم ومعرفة.
فإن قالوا: إن عليا عليه السلام كان يألف النبي صلى الله عليه وسلم، فوافقه على طريق المساعدة له.
قلنا: إنه وإن كان يألفه فلم يكن يألفه أكثر من أبويه، وإخوته وعمومته وأهل بيته، ولم يكن الألف ليخرجه عما نشأ عليه، ولم يكن الاسلام مما غذى به وكرر على سمعه، لان الاسلام هو خلع الأنداد، والبراءة ممن أشرك بالله، وهذا لا يجتمع في اعتقاد طفل.
ومن العجب قول العباس لعفيف بن قيس: " ننتظر الشيخ وما يصنع " فإذا كان العباس وحمزة ينتظران أبا طالب ويصدران عن رأيه، فكيف يخالف ابنه ويؤثر القلة على الكثرة. ويفارق المحبوب إلى المكروه، والعز إلى الذل، والامن إلى الخوف، من غير معرفة ولا علم بما فيه.
فإما قوله: " إن المقلل يزعم أنه أسلم وهو ابن خمس سنين، والمكثر يزعم أنه أسلم وهو ابن تسع سنين " فأول ما يقال في ذلك أن الاخبار جاءت في سنه عليه السلام يوم أسلم على خمسة أقسام:
صفحه ۲۹۵