ناپلئون بناپارت در مصر
نابوليون بونابارت في مصر
ژانرها
إن واقعة شبراخيت كانت مما يجلب الفخار للجيش الفرنسي، نعم إننا كنا عشرين ألف رجل ومعنا اثنان وأربعون مدفعا في ساحة الوغى، ولم يكن أمامنا في الحقيقة سوى ثمانية آلاف مقاتل، ولكن هذه كانت أول مرة وجد فيه الجيش الفرنسي نفسه أمام أولئك الفرسان البواسل الأبطال.
2
وغريب أن صاحب كتاب «حقائق الأخبار» يسمي هذه الموقعة الكبيرة واقعة الرحمانية، ولم يقع في الرحمانية منها شيء، وزيدان يخلط بين شبريس وشبراخيت، والجبرتي لا يذكر أين مكانها، بل يقول كعادته وردت الأخبار بحصول معركة!
من شبراخيت إلى إمبابة
كان من السهل علينا أن ننتقل بالقارئ من واقعة شبراخيت إلى الواقعة التي يسمونها واقعة إمبابة، ويسميها آخرون واقعة الأهرام، وغيرهم واقعة القاهرة، وهي جديرة بأن تطلق عليها هذه الأسماء الثلاثة لولا أن لنابوليون نفسه في مذكراته، عبارات في غاية الأهمية عن الجيش الفرنساوي في تلك المنطقة، الواقعة بين شابور وإمبابة ... تلك المنطقة التي قطعها الجيش المذكور في ستة أيام؛ أي: من صباح 14 إلى صبيحة 20 يوليو «من السبت 30 محرم إلى الجمعة 6 صفر»، وليس لهذه المدة أثر في الكتب العربية؛ لأن صاحبنا «الجبرتي» لا علم له بها، وكفاه ما كان فيه من هم وغم، بعد وصول أخبار خذلان مراد بك في واقعة شبراخيت؛ إذ لم تعد تخفى الحقيقة عن سكان القاهرة، على الرغم من دعوى المماليك عن تلك الواقعة الكبير «بأنه لم يقع فيها قتال صحيح، وإنما هي مناوشة بين طلائع العسكرين بحيث لم يقتل إلا القليل من الفريقين.» كما روى الجبرتي، وذلك عن ألسنتهم، وسجله في كتابه ليكون للأعقاب مثلا على مقدار ما في البلاغات الرسمية في أيام الحروب من الصدق والكذب!!
بعد أن استراح الجيش الفرنسي في شبراخيت وما جاورها على ضفة النيل يوم الجمعة 13 يوليو صدرت إليه الأوامر بالسير صباح اليوم التالي فوصلت مقدمته مساء ذلك اليوم إلى بلدة «كوم شريك» وفي تلك الجهة يكثر البطيخ في هذا الفصل من العام، وأكثره منزرع في الأرض الرملية التي تقارب النيل في تلك البقعة فأكل منه الجنود كميات كبيرة وطابت نفوسهم نوعا ما.
وفي الخامس عشر عسكر الجيش على النيل ثم سار نحو أربعة فراسخ ونصف حتى أدرك بلدة أبو نشابة وفي السابع عشر كان عند بلدة وردان، وكان الجيش يسير ببطء زائد لأسباب كثيرة منها شدة الحر، وصعوبة الحصول على المئونة الكافية للجيش، في بلاد لحق أهلها الفقر المدقع، وهاجر الكثيرون من سكانها ولم تبق فيها إلا بقية لا تسمن ولا تغني من جوع.
وكان يتابع الجيش من بعيد بعض العربان الذين كانوا يتصيدون من الجنود الفرنسية ليقتلوه، وليأخذوا سلاحه وما معه من قليل أو كثير، فكانت كل هذه الأمور وغيرها مما ينغص على الجنود حياتهم، ويزيد في ضيق أنفاسهم وكدرهم، وكما كان بنو إسرائيل حين جاوز بهم موسى البحر، وأنقذهم من مظالم الفراعنة، وأنزل عليهم المن والسلوى، يتشوقون إلى مصر، ويحنون إلى فولها وعدسها وقثائها وبصلها، كذلك كانت الجنود الفرنسية، كلما رأت الصحراء المحرقة والبلاد القاحلة، حنت إلى فرنسا، وتذكرت إيطاليا، وسهولها وجمالها.
قال نابوليون في مذكراته:
ولقد غشت الكآبة نفوس الجنود فأخذوا يقارنون بين هذا الشعب البربري الذي لا يحسنون التفاهم معه، مساكن أولئك الفلاحين البؤساء الذين يشابهون ثيرانهم في البلاهة والغباوة، وهذه البلاد القاحلة العارية عن الظل والثمر، وهذا النيل، بل المجراة الحقيرة التي تحمل قليلا من الماء القذر الملوث بالطين، وضموا إلى كل هذا أولئك العربان، سكان الصحاري ذوي الأجسام الناحلة، والقسوة المتناهية، ونساءهم اللائي هن أكثر قبحا وقذارة ... أخذ الجنود يقارنون بين كل هذا، وبين سهول «لومبارديا» المزهرة المثمرة، وأهالي فينيسيا الأرقاء الظرفاء وتزايدت شكوى الجنود من أنه جيء بهم إلى بلاد لا خبز فيها ولا نبيذ، ولم يستمعوا إلى ما يقال لهم من أن هذه البلاد، التي ترونها فقيرة، قد كانت أغنى بلاد الدنيا، وكانت خزانة الحبوب لروما والقسطنطينية، وأنهم متى وصلوا إلى القاهرة وجدوا فيها ما يطلبون من مآكل وشراب ... فكان جوابهم على هذا: «هكذا قلتم لنا في الصحراء قبل دمنهور، فغاية الأمر أن تكون القاهرة أكبر من دمنهور ثلاث مرات أو أربعا، أو مجموعة من العشش الحقيرة، الفقيرة من كل ما يجعل الحياة مقبولة ومحتملة.»
صفحه نامشخص