ناپلئون بناپارت در مصر

احمد حافظ عوض d. 1369 AH
160

ناپلئون بناپارت در مصر

نابوليون بونابارت في مصر

ژانرها

وليلاحظ أن أسلوب هذا المنشور الموجود نصه في الجبرتي يخالف لهجة المنشورات الأخيرة التي طبعت في القاهرة بعبارة مسجعة فصيحة نوعا ما، ويظهر أن هذا التركيب الركيك من إنشاء «فنتور» المستشرق الذي صحب نابوليون في حملة سورية ومات أمام عكا بالطاعون، أو من إنشاء بعض كتبة الدواوين الذين أخذهم معه، وكان من الذين سلموا في العريش عدد كبير من المماليك المصريين الذين تبعوا إبراهيم بك، وأولئك اختاروا أن يعودوا لمصر، فأرسلهم نابوليون مع بعض جنده إلى مصر وانضم ثلاثمائة من المغاربة إلى الجيش الفرنسي فسلحوا، وانقلبوا من محاربة الفرنساويين، إلى محاربة الذين كانوا يحاربون معهم غيرة على الدين والملة!!

ولما احتل الفرنساويون العريش كلفوا مشايخ الديوان بنشر بلاغ وضعوه لهم وأمضاه السيد البكر بصفته نقيب الأشراف، والشيخ الشرقاوي بصفته رئيس الديوان، والشيخ المهدي بصفته كاتبه، وعجيب أن الجبرتي لم يكتب نص هذا المنشور أو البلاغ، ولكن المعلم نقولا الترك نشره في رسالته، فرأينا أن نأتي على نصه لعدم وجوده في الكتب المتداولة، ولأنه يشرح كيفية الاستيلاء على العريش، وهذا نصه:

4

لا إله إلا الله الحق المبين، ومحمد رسول الله الصادق الوعد واليقين، نعرف آل مصر وسائر الأقاليم أن توجهت الفرنساوية إلى الديار الشامية وحاصروا قلعة العريش من عشرة رمضان إلى سبعة عشر منه ووقعت مقاتلة عظيمة خارج القلعة، وكان في القلعة نحو ألف وخمسمائة نفر غير من قتل خارجها، فلما طال عليهم الحصار، وتهدمت أسوار القلعة من ضرب الفرنساوية بالمدافع عليها وتيقنوا بالهلاك، وهكذا أصحاب المروءات وهؤلاء اعتقهم وأطلق في سبيلهم، وبعض الكشاف والمماليك الذين كانوا في القلعة نحو ستة وثلاثين جنديا طلبوا من حضرة السر عسكر أن ينعم عليهم برجوعهم إلى مصر إلى عيالهم، وبيوتهم فأحسن إليهم وأرسلهم إلينا وإلى وكيله، ودخلوا عليه يوم الأحد في 26 رمضان معزوزين مكرومين،

5

وأرسل السر عسكر أن يؤتى بإكرامهم «لعله يوالي إكرامهم» إن داموا على عهدهم الذي حلفوا به في العريش ، وإن خانوا وهانوا فيحصل لهم من يده الانتقام! وأمر في الفرمان أن الجنرال دوكا يأمر التجار بالسفر في القوافل إلى بر الشام لينتفعوا بالمكاسب أصحاب التجارة، وينتفعوا سكان بر الشام ببضائع مصر حسب العادة السابقة ليحصل الأمان بحلوله في تلك الأراضي، وكتب حضرة وزيره الجنرال إسكندر برتبة فرمانا يخبرنا ويخبر حضرة الوكيل بالحالة التي وقعت إلى عساكر إبراهيم بك وبعض من عساكر الجزار والمساعدين له، وأن الفرنساوية وجدوا في قلعة العريش مخازن أرز وبقسماط وشعير وثلاثمائة رأس من الخيل الجياد، وحمير كثيرة وجمال غزيرة اكتسبته جميعه الفرنساوية، ومع ذلك عندهم الصفح عند قدرتهم عليه، وهذا من صفات أصحاب المروءة من الرجال الأبطال، فيا إخواننا لا تعارضوا الملك المتعال، واتركوا أنفسكم من القيل والقال، واشتغلوا في إصلاح دينكم والسعي في معاش دنياكم وارجعوا إلى الله الذي خلقكم وسواكم والسلام عليكم. ا.ه.

وبعد احتلال العريش تقدمت القوة الفرنساوية نحو خان يونس ثم إلى غزة، ودارت في الجهة الواقعة بين هاتين البلدتين موقعة كبيرة بين الفرنساويين والجنود التي يقودها عبد الله باشا انكسر فيها هذا الأخير، وانسحب بمن بقي معه من القوة إلى يافا وسلمت غزة، وتقدم الجيش الفرنساوي في سيره فاحتل الرملة وسار منها قاصدا يافا، وهو أول ميناء بحري في الديار السورية من جهة القطر المصري، وكان نابوليون قد أصدر أمره للكابتين «بريه» بأن يحمل في بعض سفن بقيت للفرنساويين، المدافع الكبيرة، والآلات العديدة التي كان يريد استعمالها في حصار عكا، ولذلك أسرع في الاستيلاء على يافا ليتلقى تلك الآلات، ويسير بها إلى مكانها غير حاسب للأسطول الإنكليزي الذي يقوده السر سدني سميث حسابا.

وكانت يافا محصنة تحصينا حسنا، وفيها قوة كبيرة من عساكر الجزار والمماليك وجميع من بقي من القوة التي يقودها عبد الله باشا، وفيها عدد كبير من المدافع، وتقدر القوة التي كانت في يافا بنحو اثني عشر ألفا، ولم تكن القوة الفرنسية كلها أكثر من ذلك، وقد حاول نابوليون أن يؤثر على تلك القوة ويحملها على التسليم فبعث بضابط ودليل من عنده يحمل راية السلام بقصد المفاوضة، فكان جوابها على ذلك، قتل الضابط ومن معه ووضعت رأساهما على المزاريق فوق الأسوار، وطرحت جثتاهما وراءها، فاغتاظ الفرنساويون وسلطوا على المدينة المدافع الكبيرة وهجموا على الأسوار حتى سقطت المدينة، واستباح الجند الفرنساوي حماها يقتل وينهب ويسلب ويهتك الأعراض ويفعل ما يشاء.

وقد نشر الجبرتي صورة الخطاب الذي بعث به نابوليون لحاكم يافا وصورة البلاغ الذي نشر في مصر بالاستيلاء عليها، وكان السيد عمر مكرم نقيب الأشراف الذي فر مع إبراهيم بك، وكان له شأن عظيم في تاريخ مصر في أيام محمد علي باشا، ممن حوصروا في يافا فبعد سقوطها ذهب ومن معه من المصريين إلى نابوليون فأكرمهم، وأرسلهم إلى مصر في السفن إلى دمياط.

وقد وردت الفقرة الآتية في البلاغ الذي نشر في مصر على لسان المشايخ نأتي عليها لأهميتها في البحث التالي قال: «وفي يوم الجمعة غرة شوال وقع الجميل من حضرة ساري عسكر الكبير، ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم الأمان ورجعوا إلى بلدهم مكرمين، وكذلك أمر أهل دمشق وحلب برجوعهم إلى أوطانهم سالمين لأجل أن يعرفوا مقدار شفقته، ومزيد رأفته ورحمته، يعفو عند المقدرة، ويصفح وقت المعذرة، مع تمكينه ومزيد إتقانه وتحصينه. وفي هذا الوقت قتل أكثر من أربعة آلاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من الانحراف ... إلخ.» وعلق الجبرتي رحمه الله على هذا المنشور الطويل بقوله: «فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا، وكانوا يظنون استحالة ذلك خصوصا في المدة القليلة، ولكن المقضي كائن.»

صفحه نامشخص