ناپلئون بناپارت در مصر
نابوليون بونابارت في مصر
ژانرها
وليس هذا من قبيل الخيال فإن نابوليون صمم حقيقة على قطع البحر الأحمر عند النقطة التي عبر منها موسى وقومه؛ ولذلك أصدر أمره إلى الجنرال «برتية» في يوم 27 ديسمبر بأن ينبه على الكونتر أميرال «غانتوم» أن يذهب مع نحو ستين رجلا من الأدلاء إلى جهة عيون موسى، وأعلنه بأنه سيركب مع الخيالة في الساعة الثالثة من صباح اليوم التالي، وليكن مع المشاة والأدلاء ما يلزمهم من المؤنة لمدة ثلاثة أيام.
وفعلا ركب نابوليون ومعه الجنرالان كفريللي رئيس المهندسين والجنرال دومرتين قومندان الطوبجية مع عدد من الفرسان وعبر البحر عند نقطة المعدية، في الوقت الذي تنسحب فيه المياه بالجزر، وكان ذلك في الساعة الثالثة من صباح يوم 29 ديسمبر، والمسافة بين السويس وعيون موسى تبلغ نحو ثلاثة فراسخ، وكان الكونتراميرال غاننوم قد سافر بسفينة مسلحة مع عدد كبير من البحار والمهندسين، وكثير من العلماء عن طريق البحر، وقد روى نابوليون فيما أملاه على «برثران» أنهم وجدوا عند عيون موسى آثار مبان كان أقامها الفينيسيون «البندقيون» في القرن الخامس عشر حينما أرادوا مقاومة البرتغاليين في طريقهم إلى الهند.
ونلخص القطعة الآتية من كلام مطول من كتاب برتران المشار إليه قال: «وفي المساء امتطى نابوليون صهوة جواده ليعود إلى السويس والذين جاءوا عن طريق البحر ركبوا السفينة، وفي الساعة التاسعة مساء نادى الجنود الذين في المقدمة أنهم ضلوا الطريق وطلبوا الأدلاء، وكان الجنود في النهار قد تسلوا بسقي أولئك الأدلاء الخمور حتى سكروا وغابوا عن الصواب وضل الركب الطريق، وكانت الليلة مظلمة وخيل للجند في مقدمة الركب أنهم يبصرون نارا في السويس فاتجهوا إليها، ولكن تلك النار كانت عبارة عن مصباح السفينة التي تقل الجماعة الآخرين فازداد الركب ضلالا، وكانت الساعة قد صارت عشرة وأخذ المد يعلو، والمياه تدنو، والخيل تسير في تلك الرمال إلى أن وصلت المياه إليها وأخذت تزداد شيئا فشيئا حتى وصلت إلى بطون الخيل والقوم حيارى لا يدرون ماذا يصنعون حتى قال نابوليون منذعرا: «أجئنا هنا لنغرق كما غرق فرعون من قبل؟ فما يكون أحسن من هذا موضوعا للوعظ في كنائس رومه.»
8
ولكن الحامية كانت مؤلفة من جنود أقوياء من الذين خدموا الجيش من ثمان إلى عشر سنوات، وهم على جانب من النباهة والدراية، فمن هؤلاء اثنان أحدهما اسمه لويس وكربونيل، فالأول اكتشف الطريق الأصلي في الحال وعاد بسرعة لإرشاد الجماعة، وكانت المياه قد وصلت إلى سروج الخيل، وكاد يغرق الجنرال كفريللي بسبب رجله المصنوعة من الخشب، ولكنهم بعد جهد جهيد صلوا إلى الشاطئ».
وقال صاحب هذه الرواية إن الذين بقوا في السويس أدركوا أن الجماعة قد ضلوا فخطر لهم أن يقيموا نارا لهدايتهم، فلم يجدوا الخشب اللازم لذلك فهدموا دارا من الدور ولم يكادوا يشعلون النار حتى كان الجماعة قد وصلوا إلى البر، ولم ينس نابوليون أن يكافئ الجندي لويس الذي دلهم على الطريق، وأنقذ الجنرال كفريللي من الغرق فرقى درجته وأهداه سيفا نقش على إحدى صفحتيه «من الجنرال بونابرت للفارس لويس.» وعلى الصفحة الثانية «عبور البحر الأحمر.»
9
وفي أثناء وجود نابوليون جهة الطور حضر إليه رهبان دير طور سيناء وطلبوا منه أن يشملهم برعايته، كما أعطاهم النبي محمد عهد الأمان، وكما فعل صلاح الدين والسلطان سليم؛ فأعطاهم عهدا بأن لا يعتدي عليهم أحد من الفرنساويين، وصورة عهد نابوليون لهم محفوظة بنمرة 3782 في مجموعة مكاتباته.
كان نابوليون موفقا في جميع أموره، ولطالما عرض نفسه للأخطار، ففي «أركولا» بإيطاليا كاد يصعق تحت سنابك الخيل، وأنقذ بمعجزة من معجزات الزمان، وهاهو يخلص من سيل البحر ومده ويعلو على الأمواج وارتفاعها، وكأني به وهو يقول: «أجئنا لنغرق كما غرق فرعون.» يسمع هاتفا يهتف في تلك الليلة الليلاء، وفي ذلك المكان المملوء بالذكريات الرهيبة: «لا تخف! إن الله حارسك وحافظك، فإن المهمة التي خلقت لأجلها لم تتم بعد! جئت إلى هذه الديار فقطعت دابر فئة ظلمت العباد وسفكت الدماء، وخرجت عن حدود الإنسانية حتى ضجت منها الأرض والسماء، فجاء الله بك جلادا لتنفيذ عدله الإلهي، وسنذهب بك إلى الشام فنفعل فيها في الضالين الظالمين مثلما فعلت في أولئك المماليك في مصر، والنمساويين في إيطاليا، ثم تعود إلى فرنسا فتشعل نار الحرب في أوروبا، وتتسم ذروة المجد الشاهقة، وتأخذ في غزو الأمم وإذلال العباد، وإهراق الدماء، وتبقى كالسيف المعلق على الرقاب، تنظف أوروبا كما ينظف الخادم دار مولاه! حتى إذا انقضت مهمتك سقطت من ذلك المكان العالي، سقوط الشهاب الثاقب، لتعيش بعد ذلك ستة أعوام متوالية يتقطع فيها نياط قلبك، كما تقطع أوتار الآلة الموسيقية، فيسمع لها رنين غريب، قد بقي دويه إلى اليوم، يرن في آذاننا، وآذان من يأتي من بعدنا، إلى يوم الساعة! وما كنت في الأولى، ولا في الثانية، إلا آلة في كف القضاء، وألعوبة في يد الأقدار، وكل ميسر لما خلق له»!
ولنعد إلى ما كنا فيه من رحلة نابوليون إلى السويس فنقول: إنه في اليوم التالي لخلاصة من ذلك المأزق الحرج، ركب في جماعة من العلماء وفيهم مونج وبرتللوا وبعض قواده وضباطه أركان حربه وسار بهم شمالا بقصد استطلاع طريق مواصلة البحر الأبيض بالأحمر، وكان قبل قد أصدر أمره إلى القوة المرابطة بالسويس بالسير عائده للقاهرة عن طريق أجرود وبلبيس، أما هو فعثر على آثار تلك الترعة التي كانت تنقل مياه النيل في الوادي من بوبسط على فرع النيل القديم الذي كان يسمى «بيليز» “Peluse” .
صفحه نامشخص