ناپلئون بناپارت در مصر
نابوليون بونابارت في مصر
ژانرها
يقول العلامة «لاين بول» في كتابه المسمى «القاهرة»:
لقد جمع هؤلاء المماليك بين المتناقضات التي لم تجمع في طبقة من الأمراء في أي زمان أو مكان، فبينما نعرف أنهم عصبة من الأفاقين ابتيعوا بيع السلع، ونشئوا أرقاء، وربوا سفاكين للدماء، ظالمين للعباد، مخربين للبلاد، نجد منهم ميلا غريبا للفنون، يحق لأي ذي عرش وصولجان أن يفخر به على الأنداد والأقران، ولقد أظهر هؤلاء المماليك في لباسهم، وفراشهم ومسكنهم، وعمائرهم ذوقا ساميا، ورفاهية بالغة، يصعب على أوروبا الآن، في عصرها «الاستاثيقي» المحب للجمال والتأنق، أن تدانيهم فيه.
انظر إلى ما يوجد الآن في القاهرة من المساجد الكبيرة التي تناطح مآذنها السحاب تجد أنها بنيت في عصر مماليك الطبقة الأولى ... انظر إلى جوامع قلاوون، والناصر، والناصر بن قلاوون، والسلطان حسن، وبرقوق والمؤيد، والإشرافية وقايتباي، ثم انظر إلى قباب قبور المماليك بالصحراء، تر من جلال البناء، وبديع العمارة ما لا يدانى وكل ما بني بعد ذلك في العصر الأخير من القرن التاسع عشر، إنما هو تقليد وتشبيه بهايتك العمائر، التي تفخر بها القاهرة على مدن العالم.
من أين للمماليك بتلك الثروة؟
هنا لا يجد المؤرخ المحقق مناصا من النظر إلى الحالة الاقتصادية التي كانت عليها مصر في تلك المدة؛ لأن موارد مصر معروفة، وهي هي في كل عصر من حيث الثروة الزراعية، والتي لا يوجد في وادي النيل مصدر سواها، ولم تكن تربة مصر في ذلك الحين كانت أخصب مما هي الآن، بل لم تكن لحاصلاتها أسواق تباع فيها بأزيد مما تباع به اليوم، فمن أين كان للمماليك ذلك اليسار وتلك الثروة الواسعة، وتلك الأموال التي استطاعوا الإنفاق منها على بنائها تيك العمائر، وعلى ما كانوا ينعقونه على ترفهم ونعيمهم، وشراء المماليك والسراري، ولم يكن ثمن المملوك مما يستهان به، فكثيرا ما ذكر المؤرخون أنهم كانوا يبتاعون المملوك أو الجارية بألف أو ألوف من الدنانير، وقد جاء في بعض التواريخ أن السلطان سليمان لما فتح مصر ووضع نظام حكومتها - ذلك النظام الذي سنشير إليه، والذي ترك السلطة في يد المماليك وأدى إلى خراب هذه الديار - وأراد العودة إلى بلاده نقل معه ألف جمل محملة ذهبا وفضة، فضلا عن أسلاب أخرى وهدايا ثمينة.
ولم تكن في أرض مصر مناجم الذهب، ولا مصادر أخرى للثروة غير محصول الزرع - وكان المزروع منها قليلا، والنيل يغمر أكثر بلادها فلا يستفاد به في زمن الفيضان - فمن أين كانت لمصر وللمماليك كل هذه الثروة؟
لم أجد بين المؤرخين الذي نقبت في كتبهم من عني بهذه النقطة ووفاها حقها من البحث العلمي والتاريخي مثل مستر «كامرون»
1
فإنه وقف مثلما وقفنا عند حالة مصر الاقتصادية وسأل كما سألنا من أين كان يأتي المال؟ ثم جاء بالجواب الشافي بعد بحث واستقراء في المصادر الإنجليزية المختلفة من كتب وتقارير رسمية، فقال ما خلاصته:
إنه لما كان المماليك أصحاب السلطة المطلقة في مصر، وفي سوريا أيضا فقد وقعت في قبضتهم جميع الموانئ، وطرق القوافل التي توصل إلى أوروبا متاجر البلاد الهندية، وغيرها من بلاد الشرق الأقصى، بذلك تمكنوا من فرض الضرائب التي يريدونها على كل كمية من البضاعة الهندية التي تمر من طريق البحر الأحمر إلى القاهرة، ثم إلى الإسكندرية، وكذلك من طريق البحر الأحمر إلى القاهرة، ثم إلى الإسكندرية، وكذلك من طريق الخليج الفارسي إلى البصرة، وطريق القوافل منها فميناء إسكندرونة لتنقل منها إلى فينيسيا «البندقية» التي كانت واسطة لهم في إيصال المتاجر الشرقية إلى أوروبا، وقد بقي هذا الاحتكار الاقتصادي، المنتج للمال، في أيدي المماليك حتى اكتشف «فاسكودي جلعا» البرتغالي، طريق رأس الرجاء الصالح إلى المياه الهندية - ولم يكن قد دار أحد حول إفريقيا بحرا مثله.
صفحه نامشخص