وما كدت أنطق بهذه الكلمات حتى ارتفع ضجيج الضحك والسخرية من جديد في جميع أركان القاعة. - ولكن هل تدري أنها مسابقة المدرسة الحربية؟ (قال المختبر بلطف) وأنت على علم بدون ريب، بالشروط والمواد المعلنة في البرنامج. - سيدي درستها كلها! ... (أجبته متلعثما).
وأجابني السيد: إذن تفضل اجلس، يا ابني وانتظر، فعندما يأتي دورك أدعوك!
ذهبت أنزوي بعيدا في أحد الأركان، ولكن الضحك والسخرية اللاذعة كانت تلاحقني أين ما حللت، ورغم ما كنت فيه من الخجل والاضطراب أخذت أنصت بإمعان إلى أسئلة المختبرين وأجوبة الطلبة، وما هي إلا لحظة حتى أحسست بروح جديدة تدب في جسمي النحيل حيث يتبين لي أنه في استطاعتي الإجابة على هذه الأسئلة كلها.
وأخيرا جاء دوري، وسمعت المختبر ينطق باسمي، وما كدت أقف أمام لجنة الاختبار، حتى امتلأت القاعة بالفضوليين الذين أتوا من هنا وهناك لمشاهدة اختبار الفتى القروي.
ابتدرني المختبر يسألني في قواعد الحساب، وكانت أجوبتي متتابعة، بدون انقطاع ولا اضطراب، حتى سكت المختبر وسألني متعجبا: أين درست الحساب؟ - درسته منفردا يا سيدي! على ضوء موقد مخبزنا، وإذا تفضلتم بسؤالي في بقية البرنامج، أرجو أن تجدوني مستعدا للإجابة!
وامتد اختباري ما يقرب من الساعتين، وما كدت أنتهي حتى قام الرجل من مقعده وتوجه نحوي حيث ضمني إلى صدره وهو يردد! ... أقدم إليك تهنئتي وإعجابي يا بني! وأعتقد تماما بأنك ستكون أحد طلبة المدرسة الحربية النجباء!
لا يستطيع أحد أن يتصور السرور الذي غمر قلبي في تلك الساعة! ولكن سرورا أعظم منه كان ينتظرني، وشرفا لم أكن أتوقعه كان مستعدا للقائي: وهو أن جميع الطلبة الذين ضحكوا مني وسخروا بي، تقدموا نحوي وحملوني على أعناقهم في موكب رهيب، حيث طافوا بي مدينة ميتز كلها هاتفين باسمي، كان ذلك اليوم أسعد يوم في حياتي!
صفحه نامشخص