ابتسم واسترسل يقول: وما كاد يستغرق الآخرون في النوم حتى شاهدت - وعلى ضوء النجوم - لصا يتقدم بخطوات بطيئة نحو البيدر، ولبلاهته ترك القمح النقي المصفى وقصد كوما من الشعير المختلط بالتبن، فقلت له: لا تنزعج! دونك القمح النقي املأ منه كيسك واذهب بسلام ... ولا أدري كيف انتبه أحد النائمين إلى ذلك، فأيقظ الآخرين واضطر المسكين إلى الفرار خالي الوفاض.
قلنا: وكيف كان موقف عمك من عملك هذا؟
قال: سخط علي ولكني أجبته أني لا أريد أن أشارك زيان الأبله في إزعاج خلق الله بساق من الخشب، أجني لعنات الناس من أجل كيس من القمح ينفع هذا المسكين ولا يؤثر على ثروته شيئا.
قلنا له: إنك تعطف على اللصوص، وتشجعهم على أعمالهم الشائنة، وهذا لا يليق بك ...
وكان جوابه: إن اللصوص مخلوقات مثلنا لهم الحق في الحياة والعيش، جعل الله رزقهم من أموال الذين لا يدفعون حق الله من الزكاة. وكان نتيش يعتقد اعتقادا جازما أنه لا يسرق إلا الذي لا يدفع حق الله من ماله.
قلنا له: لكنها مهنة غير شريفة وغير مشروعة.
قال: وما ذنبهم، إن الله خلقهم وخلقها وجمع بينهم.
قلنا : ستستمر إذن في الدفاع عنهم والعطف عليهم وتشجيعهم؟
قال ضاحكا: سأشجعهم على نهب أموال عمي كلها، ما دام لا يحسن الانتفاع بها ... •••
وساءت الأحوال بينه وبين عمه، فلم يعد عمه قادرا على احتماله، ففارقه وعاد نتيش إلى باديته يعيش بين عشيرته كما يحلو له أن يعيش تاركا لنا فراغا عظيما، وذكريات عذبة.
صفحه نامشخص