118

Names and Attributes Series

سلسلة الأسماء والصفات

ژانرها

إثبات صفة الرحمة لله ﷿ (يرحم): هذه صفة من صفات الله ﷾ وهي صفة الرحمة، وهي صفة عظيمة كتبها الله على نفسه، لكن اسم الرحمة يطلق على صفة من صفات الله وعلى لازم تلك الصفة، وهو فعل من فعل الله، وتجدونهما معًا في النصوص، فالله ﷾ وصف نفسه بالرحمة في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:٢-٣]، ومع ذلك ذكر الرحمة التي هي فعله في قوله: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:٥٤]، وقد صح عن رسول الله ﷺ في الصحيحين أنه قال: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فادخر عنده تسعًا وتسعين رحمة لعبادة المؤمنين في الجنة، وأنزل رحمة واحدة في الدنيا فبها يتراحم الخلائق فيما بينهم حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها)، فهذه الرحمة المخلوقة ليست هي الصفة، وإنما هي متعلق الصفة وأثرها؛ لأنه قال: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها) . أما الرحمة غير المخلوقة فهي صفة الله، وهي المذكورة في قوله: (إن رحمتي سبقت غضبي)، وفي رواية: (تغلب غضبي)، والمقصود بذلك: تزاحم الصفتين في المتعلق. ورحمة الله ﷾ هي من أكثر صفاته أثرًا، وصفات الله لها آثار في خلقه، فما يتعلق منها بالخلق له آثار، لكن رحمته هي أوسعها أثرًا، ولهذا قال الله فيها: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:١٥٦]، ولذلك عدّ الله من آثارها شيئًا عظيمًا فقال تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص:٧٣]، فالليل والنهار وما سكن فيهما كل ذلك من رحمة الله، ولهذا قال في المطر: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم:٥٠]، فكل هذا من آثار رحمة الله؛ ولهذا إذا نظرنا إلى ما فيه أهل الأرض من المعايش والخيرات والبركات التي جعلها الله في هذه الأرض، ومن أعظمها هذا الأكسجين الذي يتنفسون به، والماء الذي يشربونه، وستر الله الجميل الذي يجعل بعضهم يركن إلى بعض ويميل إليه، وجبل قلوبهم على الألفة والمحبة وغير ذلك، كل هذا أثر من آثار رحمة الله ﷾، ومع ذلك فما في الدنيا من رحمة الله المخلوقة إلا رحمة واحدة من مائة رحمة. ويذكر عن عبد الله بن المبارك ﵀ أنه دخل على هارون الرشيد، فوعظه فبكى هارون بكاءً شديدًا، وكان في غزو، وكان هارون يغزو في كل سنة، وكان عبد الله بن المبارك كثيرًا ما يغزو معه، فسأله أن يحدثه بما يزيده طمعًا فيما عند الله تعالى وترغيبًا لما عنده، فقال: يا هارون! ما نصيبك في هذه الدنيا من رحمة الله؟ قال: أوفر نصيب، فقد منّ الله علي بالإيمان والعقل والحكمة والعلم وإمارة المؤمنين، وأن ملكي شمل مشارق الأرض ومغاربها، وامتن علي بالمال والأولاد وصالح الأهل، وغير ذلك من أنواع ما يرغب فيه، فقال: هذا حظك من رحمة واحدة قسمت بين أهل الدنيا كلهم برهم وفاجرهم أولهم وآخرهم، فما ظنك بنصيبك من تسعة وتسعين رحمة يوم القيامة؟! نلت من هذه الرحمة الدنيوية هذا النصيب، وهي رحمة واحدة، فكيف سيكون نصيبك من تسع وتسعين رحمة يوم القيامة؟! ولذلك فإن هذه الرحمة أمر الله بها عباده، فهي كما ذكرنا من الصفات التي هي للتعلق والتخلق، وقد ذكرنا أن أسماء الله منها ما هو للتخلق والتعلق، ومنها ما هو للتعلق فقط، والتعلق معناه: أن يسأل الله به ويدعى به، لكن لا يمكن أن يتصف به المخلوق، وذلك مثل الكبرياء والعظمة والجلال، ومنها ما هو للتعلق والتخلق ومنه الرحمة، فقد أمر الله بها، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: (من لا يَرحم لا يُرحم)، وصح عنه في الحديث المسلسل بالأولية: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وهذه الرحمة متعلقها في الأصل من يحتاج إليها وهم كل ضعيف مبتلى، فهم أحق الناس بالرحمة. والبلاء أنواع: فمنه البلاء في الدين، ومنه البلاء في البدن، والبلاء في المال، والبلاء في الأهل، والبلاء في العقل وغير ذلك، فأولى الناس بالرحمة هم المبتلون؛ ولذلك جاء في حديث ابن عمر في صحيح مسلم وهو أيضًا في الموطأ وكتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: (لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، وإنما الناس مبتلىً ومعافىً فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية)، فرحمة أهل البلاء مختلفة باختلاف الحال، فمثلًا: الفاجر الذي هو مبتلى في دينه، رحمته أن تحاول أن تعينه على الشيطان، وأن لا تعين الشيطان عليه حتى يهتدي على يديك، والكافر رحمته هي محاولة إدخاله في الإسلام، والمبتلى بأي بلاء رحمته بحسب ذلك، ولهذا يقول أحد الحكماء: ارحم بني جميع الخلق كلهم وانظر إليهم بعين الرفق والشفقة وقر كبيرهم وارحم صغريهم وراع في كل خلق حق من خلقه فهو مخلوق لأرحم الراحمين.

7 / 9