نور وضياء. فأتى بذكر النور لأجل البصير وهو الإيمان. فاستعان البصير وهو المؤمن بنور الإيمان على رؤية الهدى. وأتى بذكر الظلمات وهي الكفر لأجل الأعمى فكان الكافر في ظلمة البصر وظلمة الضلال. ثم قال: ولا الظل ولا الحرور فنبه على أن حالتي المؤمن والكافر متباينتان. لأن المؤمن بإيمانه في ظل وراحة والكافر في حرور وتعب.
ثم قال: وما يستوي الأحياء ولا الأموات. نبه على أن الأعمى يشارك البصير في بعض الادراكات فيكون في قرب ما من مساواته. لأن كلًا منهما حي متحرك حساس مدرك، وإن كان الأعمى أنقص إدراكًا من البصير. أما الحي والميت، فليس بينهما مساواة ولا مداناة بوجه ما في الإدراكات. فقال تعالى إن المؤمن لا يستوي مع الكافر، لأن المؤمن حي والكافر ميت فالبون بينهما بعيد، والفرق بينهما مبين. لأن الحي متحرك حساس مدرك والميت جماد عديم الحياة والحس الإدراك. فنافاه من كل وجه، وباينه في كل صفة.
فإن قلت كيف كرر حرف النفي في موضع دون موضع. قلت: التكرار إنما يؤتى به للتوكيد. وقد تقرر فيما تقدم أن الأعمى يشارك البصير في صفات كثيرة، وإنما باينه في الإحساس بالمرئيات. فما بينهما من التضاد والمنافاة كما بين النور والظلمة. وكما بين الظل والحرور، فالمنافاة في هذين الموضعين للذات، بخلاف الأعمى والبصير. لا سيما والمراد بهما المؤمن والكافر. فالكافر ليس بأعمى حقيقةً، وإنما استعير له ذلك لأنه لم ير الحق والصواب. ولذلك أتى بحرف النفي أيضًا بين الأحياء والأموات. لأن المنافاة متحققة هنا أيضًا.
فإن قلت: كيف أخر الأشرف في قوله تعالى والبصير وقوله تعالى ولا النور وقدم الأخس في قوله تعالى: الأعمى والظلمات. قلت: جاء به على أصل الواقع. لأن الكافر أعمى والكفار كانوا قبل البعثة. فلما بعث النبي ﷺ آمن به من آمن. فانتقل من العمى إلى البصر. فكان الكفر متقدمًا على الإيمان. فقدم ذكر الأعمى لذلك وعطف الظلمات على الأعمى وعطف النور على البصير.
فإن قلت: وهذا ينقض عليك بقية الآية وهو تقديم الأشرف على الأخس في مكانين وهو الظل والأحياء قدما على الحرور وعلى الأموات.
1 / 23