وأما السنة فما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: « الوضوء من كل دم سائل » ذكره الشعراني في كشف الغمة ولا يقال لا يلزم من وجوب الوضوء من الشيء ثبوت نجاسة ذلك الشيء فإنه قد ثبت وجوب الوضوء من أشياء غير النجاسة كالغيبة والتكلم بالفحش وسائر المعاصي لأنا نقول: إن الأشياء التي توجب الوضوء نوعان: أحدهما الخبث وهو الخارج من الإنسان سواء من السبيلين أو من الحلقوم أو من سائر الجسد لجرح وقع فيه أو غير ذلك وهذا النوع نجس باتفاق، لا يقال أن الريح الخارجة من الدبر ليست بنجسة مع أنها توجب الوضوء ولا توجب الاستنجاء لأنا نقول: لا نسلم أنها ليس بنجسة بل نجاستها متق عليها وإنما لم يجب الاستنجاء منها للطافة جسمها وعدم تأثيرها فيما تباشر وقد اختلف الفقهاء في نجاسة الموضع الرطب من البدن إذا باشرته هل هي مؤثرة فيه لرطوبته فينجس بنجاستها أو لا قولان حكاهما البدر أبو ستة في حواشي الوضع.
والنوع الثاني مما يوجب الوضوء: الحدث كالمعاصي ومنه الغيبة والفحش وغيرهما ولا يخفى أن الدم من أول النوعين وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه غسل الدم عن وجهه ونص الحديث على ما ذكره الشعراني قال علي: فلما رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقعة أحد وشج وجهه أتيته بماء في دورقتي من المهراس فلما أراد أن يشرب منه وجد له ريحا فلم يشرب منه ولكن تمضمض وغسل عن وجهه الدم وصب منه على رأسه، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن تلطيخ رأس الصبي بالدم وأمر أن يوضع مكانه خلوق، وقد ثبت بالسنة استقذار الدم وغسله، والأمر بالوضوء منه، فإن قيل لا دليل في غسله - صلى الله عليه وسلم - الدم عن وجهه على نجاسة الدم لأن من فعله - صلى الله عليه وسلم - ما هو واجب وما هو غير واجب، وعند الاحتمال يسقط الاحتجاج له، لا نسلم عدم الدلالة على نجاسته كيف! وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - على وجوه:
صفحه ۳