نهج الحق و كشف الصدق

ابن مطهر حلبی d. 1325 AH
179

نهج الحق و كشف الصدق

نهج الحق و كشف الصدق

إيضاح خرافة الجبر أفلا ينظر العاقل بعين الإنصاف ويجتنب التقليد واتباع الهوى والاستناد إلى اتباع الدنيا ويطلب الخلاص من الله تعالى ويعلم أنه محاسب غدا على القليل والكثير والفتيل والنقير فكيف يترك اعتقاده ويتوهم أنه يترك سدى أو يعتقد بأن الله تعالى قدر هذه المعصية وقضاها فلا يتمكن من دفعها فيبرئ نفسه قولا لا فعلا فإنه لا ينكر صدور الفعل من الإنسان إلا مكابر جاحد للحق أو مريض العقل بحيث لا يقدر على تحصيل شي ء البتة. ولو كان الأمر كما توهموه لكان الله تعالى قد أرسل الرسل إلى نفسه وأنزل الكتب على نفسه فكل وعد ووعيدجاء به يكون متوجها إلى نفسه لأنه إذا لم يكن فاعل سوى الله تعالى فإلى من أرسل الأنبياء وعلى من أنزل الكتب ولمن تهدد ووعد وتوعد ولمن أمر ونهى. ومن أعجب الأشياء وأغربها أنهم يعجزون عن إدراك استناد أفعالهم إليهم مع أنه معلوم للصبيان والمجانين والبهائم ويقدرون على تصديق الأنبياء والعلم بصحة نبوة كل مرسل مع استناد الفساد والضلال والتلبيس وتصديق الكذابين وإظهار المعجزات على أيدي المبطلين إلى الله تعالى. نهج الحق ص : 373و حينئذ لا يبقى علم ولا ظن بشي ء من الاعتقادات البتة ويرتفع الجزم بالشرائع ولثواب والعقاب وهذا كفر محض. قال الخوارزمي حكى قاضي القضاة عن أبي علي الجبائي أن المجبر كافر ومن شك في كفره فهو كافر ومن شك في كفر من شك في كفره فهو كافر. وكيف لا يكون كذلك والحال عندهم ما تقدم وأنه يجوز أن يجمع الله الأنبياء والرسل وعباده الصالحين في أسفل درك الجحيم يعذبهم دائما ويخلد الكفار والمنافقين وإبليس وجنوده في الجنة والنعيم أبد الآبدين. وقد كان لهم في ذم غير الله متسع وفيمن عداه مقنع وهلا حكى الله اعتذار الكفار في الآخرة بأنك خلقت فينا الكفر والعصيان بل اعترفوا بصدور الذنب عنهم وقالوا ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا وما أضلنا إلا المجرمون. ثم إن الشيطان اعترف بأنه استغواهم وشهد الله تعالى بذلك فحكى عن الشيطان إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني نهج الحق ص : 374و لوموا أنفسكم وقال تعالى الشيطان سول لهم وأملى لهم فردوا شهادة الله تعالى واعتراف الشيطان ونزهوه وأوقعوا الله في اللوم والذم. وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال قدم على رسول الله ص سبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي فأخذته فألزقته ببطنها فأرضعته فقال رسول الله ص أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا لا والله قال الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها

صفحه ۲۱۳