نضرة الاغريض في نصرة القريض

ابن فضل مظفر عراقی d. 656 AH
35

نضرة الاغريض في نصرة القريض

نضرة الاغريض في نصرة القريض

تَراخَى به حُبُّ الضّحاءِ وقد رأى ... سماوةَ قشراء الوظيفَيْنِ عَوْهَقِ فقال زهير: تحِنُّ الى مِثلِ الحَبابيرِ جُثَّمٍ ... لدَى مُنْهَجٍ من قَيْضِها المُتَفَلِّقِ ثم قال: أجِزْ يا لُكَع، فقال: تحطّمَ عنها قيْضُها عن خَراطِمٍ ... وعن حدَقٍ كالنَّبْخِ لم يتَفَلَّقِ فأخذ زُهير بيد كعْب وقال له: قدْ أذِنْتُ لك في الشِعر. ومنها: باب السّرقة والسَّرقة في الأشعارِ تنقسمُ الى قِسمين: محمود ومذموم. وكانت فحول شعراء العرب تستقبحُ سَرِقَةَ الشعرِ كما قال طَرَفة: ولا أغيرُ على الأشعارِ أسْرِقُها ... عنها غَنِيتُ وشرُّ الناسِ من سَرَقا ومع هذا فلهم سَرِقاتٌ مُستَقْبَحةٌ، وإغاراتٌ بزنادِ الإكثارِ مُستَقْدَحة. فأما المحمود من السَرِقة فهو عشرةُ وجوه: الأول: استيفاءُ اللفظِ الطويل في الموجز القليل. قال طرفة: أرى قبرَ نحّامٍ بخيلٍ بمالِه ... كقَبْرِ غَويٍّ في البِطالةِ مُفْسِدِ اختصَرَهُ ابنُ الزِّبَعْرى فقال: والعَطِيّاتُ خِساسٌ بيْنَنا ... وسواءٌ قبرُ مُثْرٍ ومُقِلّ فشغَل صدرَ البيتِ بمعنىً وجاء ببيتِ طَرَفة في عَجز بيت أقصرَ منه بمعنىً لائح، ولفظٍ واضح. الثاني: نقْلُ الرَّذْل الى الرصينِ الجَزْل. قال أعرابي يتمنى موْتَ زوْجَته: ألا إنّ موتَ العاميّةِ لو قَضى ... بهِ الدّهرُ لابن الوائليِّ حياةُ المعنى لطيفٌ واللفظُ ضعيفٌ، أخذَه أخو الحارث بن حِلِّزة فقال: لا تكُنْ مُحتقِرًا شأنَ امرئٍ ... رُبما كان من الشأنِ شُؤون ربما قرّتْ عُيونٌ بشَجًا ... مُرْمضٍ قد سخِنَتْ منه عُيونُ الثالث: نقْل ما قبُحَ مبناهُ دون معناهُ الى ما حَسُن مبناهُ ومعناه. قال الحكميّ: بُحَّ صوْتُ المالِ ممّا ... منكَ يشكو ويَصيحُ معناه صحيحٌ ولفظُهُ قبيحٌ، أخذَه سَلْمٌ فقال: تظلَّمَ المالُ والأعداءُ من يدِه ... لا زالَ للمالِ والأعداءِ ظَلاّما فجمعَ بين تظلُّمَيْن كريمين، ودعا للممدوحِ بدوامِ ظُلمِه للمالِ والأعداء، وجوّدَ الصَنعةَ في لفظِه وأخذِه. الرابع: عكْسُ ما يصير بالعكس ثناءً بعد أن كان هِجاء. ما شئت من مالٍ حمىً ... يأوي إلى عِرْضٍ مُباحِ فعكَسهُ القائلُ فقال: هوَ المرءُ أمّا مالُه فمُحلّلٌ ... لِعافٍ وأما عِرْضُهُ فمحرَّمُ الخامس: استخراج معنىً من معنىً احتذى عليه وإن فارقَ ما قصَدَ به إليه. قال الحَكَميّ في الخَمْر: لا ينزِلُ الليلُ حيثُ حلّتْ ... فدَهْرُ شُرّابِها نهارُ احتذَى عليه البحتري، وفارقَ مقصدَ الحكمي فجعلَهُ في محبوبةٍ فقال: غابَ دُجاها وأيُّ ليلٍ ... يدجو عليْنا وأنتِ بدرُ!؟ السادس: توليدُ كَلامٍ من كلام لفظُهما مفترِقٌ ومعناهما متّفِق، وهو ممّا يدُل على فطنة الشاعر، أنشد الأصمعي لبعضهم: غُلامُ وغىً تقحَّمها فأوْدَى ... وقد طحَنَتْهُ مِرداةٌ طحونُ فإنّ على الفَتى الإقدامَ فيها ... وليسَ عليه ما جَنَتِ المَنونُ أخذَه أبو تمام فقال: لأمْرٍ عليهم أن تتمّ صدُورُه ... وليس عليهم أن تتِمَّ عواقِبُهْ المعنى متفق واللفظُ مفترقٌ، وهذا من أحسَنِ وجوهِ السّرِقات. السابع: توليدُ معانٍ مُستحسناتٍ في ألفاظٍ مختلفاتٍ، وهذا قليلٌ في الأشعارِ، وكان من أجدَرِ ما كَدّ الشاعرُ فطنتَهُ فيه، إلا أنّه صعبٌ. قال الشاعر: كأنّ كؤوسَ الشَّرْبِ والليلُ مُظلِمٌ ... وجوهُ عَذارى في ملاحفَ سودِ اشتقّ ابنُ المعتزّ منه قوله: وأرى الثُريّا في السّماءِ كأنّها ... قدَمٌ تبدّتْ من ثيابِ حِدادِ الثامن: المساواةُ بين المسروق منه والسارِق، بزيادة ألحَقَتِ المسبوقَ بالسابِقِ. قال الديك: مُشَعْشَعةٌ من كفِّ ظبيٍ كأنّما ... تناولَها من خَدِّه فأدارَها أخذَه ابنُ المعتز فقال: كأنّ سُلافَ الخَمرِ من ماءِ خدّه ... وعنقودَها من شَعْرِهِ الجَعْدِ يُقْطَفُ

1 / 35