وفي أواخر رمضان عام ١٠٢٧ غادر مدينة فاس متوجهًا إلى المشرق فوصل تطوان (تطاون) في ذي القعدة من ذلك العام، ومن هناك ركب السفينة التي عرجت به على تونس وسوسة حتى وصلت الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة فالحجاز بحرًا، فوصل مكة في ذي القعدة من العام التالي وبقي فيها بعد العمرة ينتظر موسم الحج، ومنها توجه إلى المدينة لزيارة قبر الرسول (ص) ثم عاد إلى مصر (محرم ١٠٢٩) وفي شهر ربيع زار بيت المقدس وأخذ يتردد إلى مكة والمدينة حتى كان في عام ١٠٣٧ قد زار مكة خمس مرات والمدينة سبع مرات، وقد أوفى هذا الجانب تفصيلًا في كتابه «نفح الطيب»، قال: «وحصلت لي بالمجاورة فيها [مكة] المسرات، وأمليت فيها على قصد التبرك دروسًا عديدة، والله يحيل أيام العمر بالعود إليها مديدة، ووفدت على طيبة المعظمة ميممًا مناهجها السديدة سبع مرار، وأطفأت بالعود إليها ما بالأكباد الحرار، واستضاءت تلك الأنوار، وألفت بحضرته ﷺ بعض ما من الله به علي في ذلك الجوار، وأمليت الحديث النبوي بمرأى منه ﵊ ومسمع ... ثم أبت إلى مصر مفوضًا لله جميع الأمور، ملازمًا خدمة العلم الشريف بالأزهر المعمور، وكان عودي من الحجة الخامسة بصفر سنة ١٠٣٧ للهجرة» .
وفي أوائل رجب من العام المذكور قصد إلى زيارة بيت المقدس، فبلغه أواسط رجب وأقام فيه نحو خمسة وعشرين يومًا، وألقى عدة دروس بالأقصى والصخرة، وزار مقام الخليل إبراهيم ومزارات أخرى؛ وفي منتصف شعبان عزم على التوجه إلى دمشق، وهناك تلقاه المغاربة وأنزلوه في مكان لا يليق به، فأرسل إليه الأديب أحمد بن شاهين مفتاح المدرسة الجمقمقية، فلما شاهدها
1 / 4