في حدود الرابعة والعشرين من عمره، وفي فاس مضى يطلب العلم على شيوخها إلى أن حل فيها الفقيه إبراهيم بن محمد الآيسي أحد قواد السلطان أحمد المنصور الذهبي، فأعجب بالمقري الشاب واصطحبه معه إلى مراكش وقدمه إلى السلطان، وهناك التقى بابن القاضي وبأحمد باب التنبكي صاحب نيل الابتهاج وبغيرهما من علماء مراكش وأدبائها وكانت هذه الرحلة مادة كتابه " روضة الآس " الذي أخذ في كتابته حين عودته إلى فاس ومنها إلى بلده تلمسان، ليقدمه إلى السلطان المنصور، ولكن السلطان توفي (سنة ١٠١٢) والمقري ما يزال في بلده. ومع ذلك فإن الهجرة من تلمسان كانت قد ملكت عليه تفكيره فلم يلبث أن غادر مسقط رأسه نهائيًا إلى فاس (١٠١٣) وأقام فيها حوالي خمسة عشر عامًا؛ يقول في النفح: " وارتحلت منها إلى فاس حيث ملك الأشراف ممتد الرواق فشغلت بأمور الإمامة والفتوى والخطابة وغيرها ". والحق أن المقري أصبح في هذه الفترة من صدور العلماء المرموقين، ولكن اضطراب الأحوال أصبح في هذه الفترة من صدور العلماء المرموقين، ولكن اضطراب الأحوال في المغرب بعد وفاة المنصور الذهبي وصراع أبنائه على الحكم، وتعرض مدينة فاس نفسها لأعمال المد والجزر في تلك الظروف المتقلبة، كل ذلك لم يكن يكفل للقاطنين فيها شيئًا من الهدوء؛ ولم تكن بلاد المغرب حينئذ فريسة للأطماع الداخلية وحسب، بل تعرضت لغزوات الأسبان والبرتغاليين، وفي سنة ١٠١٦ كان المقري يشهد - عن كثب - انقطاع آخر صلة للعرب ببلاد الأندلس حين تفرقت الجالية الأندلسية تطلب لها مأوى في سلا وتونس وغيرهما من البلاد المغربية؛ وبعد ذلك بثلاث سنوات كان الأسبان (الإصبنيول) يستولون على مدينة العرائش في المغرب بمواطأة الشيخ المأمون أحد أبناء المنصور؛ ولقي هذا العمل استنكارًا من الناس، فلجأ الشيخ إلى الفقهاء ليفتوه في الأمر: لقد كان هو لاجئًا عند صاحب إسبانيا يطلب منه المعونة فوعده بها لقاء إعطائه العرائش
1 / 2