للأخبار من سبق إلى اعتقاد منع بالعادة من فعل العلم الضروري له ، وهذا يوجب أن تجوزوا صدق من أخبركم بأنه لا يعرف بعض البلدان الكبار والحوادث العظام مع سماعه الأخبار وكمال عقله.
وذلك أنا نعلم ضرورة أنه لا داعي يدعو العقلاء إلى السبق إلى اعتقاد نفي بلد من البلدان ، أو حادثة عظيمة من الحوادث ، ولا شبهة تدخل في مثل ذلك ، ففارق هذا الباب أخبار المعجزات والنص.
فأما القوم ، فإنهم شرطوا شروطا ثلاثة :
أولها : أن يكون المخبرون أكثر من أربعة.
وثانيها : أن يكونوا عالمين بما أخبروا عنه ضرورة.
وثالثها : أن يكونوا ممن إذا وقع العلم بخبر عدد منهم وقع بخبر كل عدد مثلهم.
واعتلوا في اشتراطهم أن يكونوا أكثر من أربعة ، بأن قالوا : لو وقع بخبر أربعة ؛ لوجب وقوعه بخبر كل أربعة ، فكان شهود الزنا إذا شهدوا به عند الحاكم ، فلم يقع له العلم بما شهدوا به ضرورة ، أن يعلم الحاكم أنهم كذبوا أو بعضهم ، أو أنهم شهدوا بما لم يشاهدوه ، وهذا يقتضي أن ترد شهادتهم متى لم يكن مضطرا إلى صدقهم ، والإجماع على خلاف ذلك.
ويمكن الطعن على هذه الطريقة بأن يقال : لفظ الشهادة وإن كان خبرا في المعنى ، فهو يخالف لفظ الخبر الذي ليس بشهادة ، فألا جاز أن يجري الله تعالى العادة بفعل العلم الضروري عند الخبر الذي ليس فيه لفظ الشهادة ، ولا يفعله عند لفظ الشهادة ، وإن كان الكل إخبارا ، كما أنه تعالى أجرى العادة عندهم بأن يفعله عند خبر من خبر عن مشاهدة ، ولا يفعله عند خبر من خبر عن علم استدلالي ، وإن كان الكل علوما ويقينا؟!
وأما الشرط الثاني من شروطهم ؛ فدليله أن جماعة المسلمين يخبرون بأن الله تعالى واحد ، وأن محمدا صلى الله عليه وآلهوسلم رسول الله ، ولا يضطر مخالفوهم من
صفحه ۲۱۲