وأما الدلالة على أن الصفة كالاسم في الحكم الذي ذكرناه ، فهي أن الغرض من وضع الأسماء في أصل اللغة هو التمييز والتعريف ، وليمكنهم أن يخبروا عمن غاب عنهم بالعبارة ، كما أخبروا عن الحاضر بالإشارة ، فوضعوا الأسماء لهذا الغرض ، ولما وقع الاشتراك بالاتفاق في الأسماء ، بطل الغرض الذي هو التمييز والتعريف ، فاحتاجوا إلى إدخال الصفات ، وإلحاقها بالأسماء ليكون الاسم مع الصفة بمنزلة الاسم لو لم يقع فيه اشتراك ، ولو لا الاشتراك الواقع في الأسماء ، لما احتيج إلى الصفة ، ألا ترى أنه لو لم يكن في العالم من اسمه «زيد» إلا شخص واحد ، لكفى في الإخبار عنه أن يقال : «قام زيد» ولم يحتج إلى إدخال الصفة ، فبان بهذه الجملة أن الصفة كالاسم في الغرض ، وأن الصفات لبعض الأسماء ، فإذا ثبت ما ذكرناه في الاسم ؛ يثبت فيما يجري مجراه ، ويقوم مقامه.
ومما يبين أن الاسم كالصفة أن المخبر قد يحتاج إلى أن يخبر عن شخص بعينه ، فيذكره بلقبه ، وقد يجوز أن يحتاج إلى أن يخبر عنه في حال دون أخرى ، فيذكره بصفته ، فصارت الصفة مميزة للأحوال ، كما أن الأسماء مميزة للأعيان ، فحلا محلا واحدا في الحكم الذي ذكرناه.
ومما يدل ابتداء على بطلان دليل الخطاب أن اللفظ إنما يدل على ما يتناوله أو على ما يكون بأن يتناوله أولى ، فأما أن يدل على ما لم يتناوله ولا هو بالتناول أولى ، فمحال ، وإذا كان الحكم المعلق بصفة لم يتناول غير المذكور ، ولا هو بأن يتناوله أولى ؛ لم يدل إلا على ما اقتضاه لفظه.
وشرح هذه الجملة أن قوله عليه السلام : «في سائمة الغنم الزكاة» معلوم حسا وإدراكا أنه لم يتناول المعلوفة ، ولا يمكن الخلاف فيما يدخل تحت الحس ، ولا هو بتناولها أولى ، بدلالة أنه لو قال عليه السلام : «في سائمة الغنم الزكاة وفي معلوفتها» ؛ لما كان متناقضا ، ومن شأن اللفظ إذا دل على ما لم يتناوله بلفظه لكنه بان يتناوله أولى أن يمنع من التصريح بخلافه ، ألا ترى أن قوله تعالى :
صفحه ۱۶۹