على أنه أفضل أهل زمانه فيها ؛ لأن غاية ما يقتضي ذلك أن يتحدى أهل الزمان فلا يعارضوه ، وإذا جوزنا المواطأة ارتفع طريق القطع الذي قد علمنا أنه ثابت.
فصل في أن تعذر المعارضة كان على وجه خارق للعادة
اعلم أنه إنما يمكن أن يدعى دخول تعذر المعارضة في العادة بأن يقال : إنه كان صلى الله عليه وآلهوسلم أفصحهم فتأتى له ما لم يتأت لهم ، أو تعمل زمانا طويلا ولم يتمكنوا مع قصر الزمان عن معارضته ، أو منعهم المعارضة بالحروب وشغلهم بها ، أو أنهم لم يفعلوها خوفا من أصحابه وقوة أمره ، وإذا بطلت هذه الوجوه فلم يبق إلا أن التعذر كان غير معهود.
والجواب عن الأول : أنا قد بينا المطلوب في المعارضة ما قارب في الفصاحة والأفصح يقاربه في كلامه وفصاحته من هو دون طبقته ، بهذا جرت العادات ، فإذا لم يماثلوا ولم يقاربوا فقد انتقضت العادة ، وإذا كان المذهب الصحيح الذي يستدل على صحته بمشية الله تعالى هو مذهب الصرفة ، فإنما وقع التحدي بأن يأتوا من الكلام بما هو في تمكنهم منه ، وقدرتهم عليه معلوم من حالهم ، وأنه كان متأتيا غير متعذر بمجرى عادتهم ، فإذا لم يفعلوا فلأنهم صرفوا.
وأيضا ؛ فإن الأفصح إنما يمتنع مساواته في جميع كلامه أو أكثره ، وليس ممتنع مساواته في الجزء منه على من كان دون طبقته ، بهذا جرت العادات ، ولهذا ساوى أهل الطبقات المتأخرة لأهل الطبقة الأولى من الشعراء في البيت والأبيات ، وربما زادوا عليهم في القليل ، وإذا كان التحدي وقع بسورة قصيرة بعرض القرآن وكونه أفصح لا يمتنع من مساواته بمجرى العادة في هذا القدر اليسير.
وأيضا فلو كان هكذا لكان العرب به أعلم وإليه أهدى ، فكان يجب أن
صفحه ۳۲۲