آيات التحدي والتقريع والبعث على المعارضة من جملته ضروري على ما بيناه ، وآيات التحدي صريحة في المطالبة بالمعارضة فلا غاية وراؤها في باب التحدي ولمن لعله أن يفرق بين العلم الضروري الحاصل بجملة القرآن وبين تفصيله أن يقول : آيات التحدي إن كانت من جملة ما كان يقرأ في أيام النبي صلى الله عليه وآلهوسلم فهو المراد والكفاية بالتحدي واقعة بها ، وإن كانت مما أضيف إلى القرآن حادثا فذلك باطل ؛ لأنه لو جرى ذلك ما خفي على أعداء المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم ، ولكانوا يوافقون على حدوث هذه الآيات ؛ لأن أسلافهم ما عرفوها ، ولا سمعوها مع مخالطتهم لنا ، وعلمهم بالظاهر من أحوالنا ، ويجري ذلك مجرى دعوى معجزة لنبينا صلى الله عليه وآلهوسلم ما ادعاها أحد من المسلمين في سالف الزمان في أن أعداء الدين لا يجوز أن تمسكوا عن الموافقة على حدوث هذه الدعوى.
فصل في أن القرآن لم يعارض
اعلم أن كل أمر لو وقع لوجب ظهوره ونقله والعلم به ، فواجب إذا لم ينقل القطع على انتفائه ، ولهذا يجب القطع على أنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وآلهوسلم نبي آخر يدعي النبوة لنفسه.
وبمثل هذه الطريقة نعلم انتفاء ما لم نعلمه من البلدان التي لو كانت لاتصلت أخبارها بنا ، وكذلك ضروب الحوادث.
وإنما قلنا : ان ظهور المعارضة لو كان واجبا ؛ لأن جميع ما يقتضي نقل القرآن من قوة الدواعي ، وشدة الحاجة ، وقرب العهد ثابت في المعارضة والمعارضة تزيد عليه ؛ لأنها كانت حينئذ هي الحجة والقرآن شبهة ، ونقل الحجة أولى من نقل الشبهة.
وكيف لا يجب ظهور المعارضة لو كانت والداعي إلى فعلها يدعو إلى ظهورها ؛ لأن داعيهم إلى فعلها إنما هو التخلص مما ألزموه من خلع العبادات
صفحه ۳۱۴