181

تقدم ، والأولى أن يكون المراد : وذلك الإخلاص دين القيمة. والعبادات التي تقدم ذكرها إنما يشار إليها بلفظة «تلك» ، فكان يجب أن يقول وتلك دين القيمة.

فإذا قالوا : أراد بذلك الذي أمرتم به ، والمعنى الذي أمرتم به دين القيمة ، لدلالة لفظة «وما أمروا» على الذي أمرتم به.

قلنا : إذا أخرجنا عن الظاهر واحتجنا إلى الاضمار ، لم تكونوا باضمار ما ذكرتموه أولى منا باضمار ما ذكرناه من الإخلاص والتدين ، ويرجح قولنا على قولكم ؛ لأنا نضمر ما لا يخرج معه لفظ «الإيمان» عن موجب اللغة ، وأنتم بخلاف ذلك.

على أنه قال تعالى : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم ) (1) فيجب على ما قلتموه أن يكون عدة الشهور من الدين.

فإذا قلتم : الدين القيم يرجع إلى التدين بما ذكره لا إليه نفسه.

قلنا : مثل ذلك فيما تعلقتم به من الآية.

على أن من قال من خصومنا إن الإيمان يختص بالمفروض من الطاعات دون النفل يترك ظاهر هذه الآية ؛ لأن قوله تعالى : ( ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ) (2) يعم الفرض والنفل ، فإذا جاز أن ترد لفظة «ذلك» إلى بعض ما تقدم دون بعض جاز لنا مثل ذلك ، وسقط الاستدلال.

والجواب عن السادس : أن قوله تعالى بعد الإيمان لا يدل على بطلان حكم الإيمان وارتفاع التسمية به ، وقد قال الله تعالى : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) (3) ومعلوم أن التفرق لما حدث بعد البينة لم يبطل حكم البينة ، بل كانت ثابتة على ما كانت عليه ، وإنما أراد تعالى بعد مجئ البينة ، وقد يقول أحدنا : «عرفت زيدا بعد معرفتي بعمرو» «جاءني فلان بن

صفحه ۲۹۹