130

القدرة ؛ بل هو نفي التجويز والشك ، وليس يمتنع أن تقوم دلالة ترفع الشك في الجماعة لا يقوم مثلها في الآحاد ، ولو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وآلهوسلم أشار إلى عشرة ، فقال : «كل واحد منهم يجوز أن يخطئ منفردا ، وإذا اجتمعوا ، فإن الخطأ لا يقع منهم» ، لكان ذلك صحيحا غير مستحيل ، ولم يجر مجرى السواد والطول اللذين الآحاد فيه كالجماعة ، وكيف يمتنع من ذلك من يذهب إلى أن الأنبياء والملائكة عليه السلام قد علم الله تعالى أنهم لا يفعلون القبائح ، وإن كانوا قادرين عليها ومتمكنين منها؟! فارتفع التجويز والشك مع القدرة والتمكن.

ومما قيل في ذلك : أنه غير ممتنع أن يجوز على الآحاد ما لا يجوز على الجماعات ، كسهو الواحد عن شيء مخصوص ، وإن كان الجماعات الكثيرة لا يجوز عليها مثل ذلك ، وخروجه في وقت مخصوص بهيأة مخصوصة ، أو تشويهه بنفسه ، وإن كان ذلك كله لا يجوز على الجماعات مع القدرة عليها.

وأما من نفي صحة الإجماع من جهة أنهم لا يجوز أن يجمعوا على الشيء الواحد قياسا مع اختلاف الهمم والأغراض ، فباطل ؛ لأن الجماعات الكثيرة قد تجتمع على الفعل الواحد والمذهب الواحد ، إما بحجة ، أو بشبهة ، كاجتماع المسلمين على مذاهب كثيرة ، مع الكثرة وتباين الهمم ، لأجل الحجة ، واجتماع اليهود والنصارى والمبطلين على المذاهب الكثيرة بالشبهة ، وكما أجمعوا مع كثرتهم على القول بقتل المسيح عليه السلام وصلبه ، وإن كان ذلك باطلا.

وأما قول من نفى الاجماع لتعذر الطريق إليه ، فجهالة ؛ لأنا قد نعلم اجتماع الخلق الكثير على المذهب الواحد ، وترتفع عنا الشبهة في ذلك ، إما بالمشاهدة ، أو النقل. ونعلم من إجماعهم واتفاقهم على الشيء الواحد ما يجرى في الجلاء والظهور مجرى العلم بالبلدان والأمصار والوقائع الكبار. ونحن نعلم أن المسلمين ، كلهم متفقون على تحريم الخمر ووطئ الأمهات وإن لم نلق كل مسلم في الشرق والغرب والسهل والجبل. ونعلم أيضا أن اليهود والنصارى متفقون على القول بقتل المسيح وصلبه وإن كنا لم نلق كل يهودي ونصراني في الشرق والغرب. ومن دفع العلم بما ذكرناه كان مكابرا مباهتا. وقد استقصينا

صفحه ۲۴۸