نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة
نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة
وأهلهُ لم تزلْ تغريهِ في تلفي ... وكلَّما زادَ تيهًا زاد بِي وهجِي
فليصنعوا كلَّما شاءوا لأنفسِهِم ... همْ أهلُ بدرٍ فلا يخشونَ من حرجِ
تذكرت هنا قول أيمن بن محمد السعدي، من موشَّح أودع فيه هذا البيت:
لولا هواكَ المرادُ ... ما كنتُ ممنْ يُصادُ
ولا شجانِي البعادُ ... يا بدرُ أهلُكَ جادوا
غلِطتُ جاروا وزادَا ... لكنَّهم بكَ سادُوا
فليفعلوا ما أرادوا ... فإنَّهم أهلُ بدرُ
ومن مبدعاته قوله:
ليس إلى الكيمياءِ منتسِبًا ... من باتَ من حرِّ نارِها موهَجْ
حتى استحالتْ أجزاؤها ذهبًَا ... بل من يعيد العقيقَ فيروزجْ
قلت: لله درُّه، ما أبدع درَّهُ! وقد أخذ هذا المعنى شيخنا عبد الغني النابلسي، فقال:
قولوا لأهلِ الكيميا إن تدَّعوا ... جعلَ اللُّجينِ كما زعمتُمْ عسجدَا
بالله هل في وُسعكمْ أن تصبِغوا ... حجر العقيقِ فتجعلوهُ زبرجدَا
وللإشبيلي ما يقارب هذا في نار:
لابنه الزَّندِ في الكوانين جمرٌ ... كالدَّراري في اللَّيلة الظَّلماءِ
خبِّروني عنها ولا تكذبوني ... أسِواها يكونُ للكيمياءِ
سبكتْ فحمُها صفائحَ درٍّ ... رصَّعتها بالفضَّة البيضاء
وله خمسة أبيات، كالخمسة السيارات، يخرج من أوائلها اسم عثمان، وهي:
على كلِّ عضوٍ فيَّ دارت لحاظهُ ... كؤوس غرامٍ قد مُلئن من السِّحرِ
ثملْتُ بها وجدًا ولم أصح صبوةً ... فها أنا بين الصَّحو حيرانُ والسُّكرِ
معاذ الهوى أن يُرتجى من يدِ الهوى ... خلاصي وأن يُقضى بغيرِ الهوى عمري
أإن كان لي عن مذهب الحبِّ مذهبٌ ... فلا برحت روحي تعذَّبُ بالهجرِ
نعمتُ بهذا العيش والموت دونهُ ... إذا كان يرضيه ولو كنتُ في أسرِ
وله من رائية ملئت بنوافث السحر، وغازلت عيون المها بين الرصافة والجسر:
أما وظبا الألحاظِ أرْهفها السِّحرُ ... وجال فرندًا في جوانبها الخمرُ
فصالت بفتكٍ جاوز الحدَّ حدُّها ... على أنَّها مرضى وأجفانها فترُ
وزانةِ قدٍّ ثقَّفتْها يد الصِّبا ... ولم يُثنها إلا من الصَّلف السُّكرُ
فجارت على الأحشاء فتكًا وإنها ... لعادلةٌ بل لا يُلمُّ بها وزرُ
وعهدٍ بأيدي الوصل كان لنا به ... مبايعةٌ حيَّ مرابعه القطرُ
وحقِّ مواثيق الهوى بين أهله ... وعذب إشاراتٍ لهم دونها السِّحرُ
لقد وضحتْ للحسن في التُّرك آيةٌ ... على من عداهم مثل ما ابتسم الفجرُ
فكم فيهم من كل أحورَ إن رنا ... أصاب فؤاد النُّسك يتبعه الصَّبرُ
له حركاتُ الظَّبي يمرح عابثًا ... ويمشي الهوينى ثمَّ يدركهُ النَّفرُ
وذي طرَّةٍ من فوق صلتٍ كأنها ... حواشي الدُّجى قد عنَّ من تحتها البدرُ
تبدِّدها منه الرُّعونة غافلًا ... ولكن على تبديدها جُمع الشَّرُّ
وخصرٍ ولكن لا مسمَّى لكنْهه ... مناطقه حيرى وما تحتها مرُّ
يُناجي معانيه الدَّفين من الهوى ... فينهضُ من بعد الممات له نشرُ
تعلَّقتهُ من بعد ما اندمل الحشا ... ولم يبق نَهيٌ للغرام ولا أمرُ
فيا ويح هذا القلب كم طعن الهوى ... ويعلم أن الحلوَ منه هو المرُّ
فياربِّ إما لجَّ في غُلوائه ... فصبِّره للبلوى فقد برَّح الضرُّ
وجمعته مع مليحٍ ليلة، يشتهي الفلك في شبهها نيله.
والمجلس بتزاحم الرقباء شرق، وكلٌّ منهم من فرط غرامه صبٌّ أرق.
فلاحت من المليح إيماءة مفتقد، أعقبتها وجلةٌ من ناظرٍ منتقد.
فلم يتمالك الشيخ أن صوب النظر، حتى كاد يفضي به إلى الأمر المنتظر.
1 / 60