فجهز المهدي عليه أجنادا وأمراء ووقعت حروب عظيمة، وباشر صاحب الترجمة القتال بنفسه، وثبت ثبات أهل النجدة والشجاعة، واتفق في بعض الملاحم أن حرق البارود وهي شيء واسع فقتل من أصحاب صاحب الترجمة خلقا، واتصل الحريق إلى صاحب الترجمة فحرق أكثر ما عليه من الملبوس، وركض به حصانه وهو من أجود الفرسان حتى أبلغه الأمن ثم وقع الصلح واستقرت الأحوال وجعلت أمور بلاده إليه، واستمر على ذلك آمرا بالمعروف ملجأ للمظلوم ، كهفا للضعفاء، مأوى للقاصدين، غوثا للمستصرخين، موئلا للعفاة، ناشرا للعدل في جميع بلاده لا يقبض من رعيته إلا الزكاة والفطرة فقط على الوجه الشرعي لا يظلمون في نقير ولا قطمير، ولا يتظلمون في حبة من الطعام أو بعض درهم، بل إذا رأوا من العمال شيئا لجأوا إليه فيجري عليهم الوجه الشرعي، ويباشر ذلك بنفسه، وكان قريبا الجناب [58أ-ج] إذا وصل إليه أدنى الرعية أو أي مظلوم كائنا من كان، لم يستقر إلا في مقامه وقضى غرضه في أقرب وقت، وزادت مواد بلاده بسبب العدل زيادة عظيمة جدا، وكان في مبادئ إمارته أيام والده يحض والده على قبض الواجبات الشرعية من الرعية فقط ولا يزاد على ذلك شيئا مما تقتضيه القوانين الدولية، كالمكوس والمعونات، والمعتادات التي كان قد وضعها الرؤوساء المتقدمون فاعتذر والده باختلال النظام، ونقص المقبوضات عن كفاية المعتاد والتقصير (فيما) يقوم بمؤنة الأجناد، فأجاب بأن العدل يعمر البلاد ويحسن به نظام العباد، وأنه ليس الخير والصلاح إلا فيما طابق مراد الشارع الحكيم، وأنه يجرب ذلك في بعض البلاد ليقاس عليها غيرها ويظهر مصداق قول الشارع فوقع الاتفاق بينهما على أنه يقع التجريب في قرية تسمى (حبابة) (1) -بفتح الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعدها ألف [32أ-ب] فباء موحدة فهاء التأنيث- وهي بالقرب من مدينة (ثلاء).
صفحه ۱۷۸