وهي - بإيجابية السلب المطلق، بالقدرة على الاحتواء - تضمه، بادئة بيده التي أنقذتها من حادث محقق تعتصرها بين أصابعها، إلى وجوده الجسدي الكبير الغريب المتكور، إلى حياته كلها وأبيه وحجرته وملابسه المعلقة تجف، تحتويها كلها، وتضمه وكأنما لتعيده إلى حيث يجب أن يكون، إلى بطنها وذاتها.
عاطفة الحب التي بدأت لا جسدية بالمرة، وكأنها من صنع الخيال، ما إن بدأت الأجساد تتقارب، حتى استحالت إلى قوة تلهب الجذب، وتشرك فيه الإحساس والمعنى والخيال.
ولو كان ملاكا وكانت هي قديسة.
ولو كان الجزاء الموت حرقا أو فوق خازوق.
ولو اجتمعت الدنيا كلها لتوقف قوة الجذب الخارقة لوقفت عاجزة.
فما يحدث كان في الواقع سره من سر الحياة، وقوته من قوتها.
الحياة حين يصبح هدفها الأوحد من البقاء والوجود والاستمرار أن تتحد.
الحياة حين تخلق العاطفة قوة تجذب، فإذا تلامس الحيان فلا شيء بإمكانه أن يفرق بينهما. لقد استعانت بأولياء الله ومشايخه، وبالسيدة، وبصبرها الذي طال عشرين عاما، بابتسامة أبيها الحنون، بأمها المرحومة ذات العشر حجات، بالفاتحة وآية الكرسي، وكل ما يطرد الشياطين، واستعان هو بشيخ طريقته، وتعاليمها، وكل ما تراكم في ذاكرته من أوامر ومحرمات، ولكن جوع الجلد إلى الجلد، جوع الضلوع إلى الضلوع، وظمأ الفم إلى الفم، والسيقان لتلتف حول السيقان كان هو الذي كل مرة ينتصر، ويقهر.
جذب من جذب ذلك الكون الشاسع القادر على تعليق كوكبنا، بل شمسنا، وملايين غيرها، في فراغه المخيف بلا شيء سوى جذب التجاذب وجذب التنافر، جذب لا يدري للآن أحد سره، ذلك الذي يجذب المرأة إلى رجل بالذات لتستعمله كوسيلة تحصل بها على نسخة من صنعها هي لهذا الرجل، على ابن ما أروعه لو جاء تماما كأبيه لتستميت في حبه، وحبذا لو أبيح لها أن تختار هذا الابن نفسه لينتج لها ومن ذات نفسها أيضا ابنا آخر، أكثر قربا لما تريد وتهفو!
جسدان راقدان متجاوران متلاصقان هذا صحيح، من ساعات كانا مجرد كائنين مثلهما مثل الملايين الأخرى من الكائنات، ملتصقان وكأنما بفعل مغناطيس قانونه الأوحد أن يتجاذب قطباه، حتى لو كان أحدهما في الخمسين والآخر لم يبلغ العشرين، بل حبذا لو كان أحدهما في الخمسين والآخر دون العشرين!
صفحه نامشخص