فالطبقة الأولى: عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وست سنين من خلافة عثمان رضي الله عنه؛ كانوا على التوحيد الصحيح والإخلاص المخلص، مع الألفة واجتماع الكلمة على الكتاب والسنة. وليس هناك عمل قبيح ولا بدعة فاحشة، ولا نزع يد من طاعة، ولا حسد ولا غل ولا تأول، حتى كان الذي كان من قتل عثمان رضي الله عنه وما انتهك منه، ومن خبطهم إياه بالسلاح، وبعج بطنه بالحراب، وفرى أوداجه بالمشاقص، وشدخ هامته بالعمد، مع كفه عن البسط، ونهيه عن الامتناع، مع تعريفه لهم قبل ذلك من كم وحه يجوز قتل من شهد الشهادة، وصلى القبلة، وأكل الذبيحة؛ ومع ضرب نسائه بحضرته، وإقحام الرجال على حرمته، مع اتقاء نائلة بنت الفرافصة عنه بيدها، حتى أطنوا إصبعين من أصابعها، وقد كشفت عن قناعها، ورفعت عن ذيلها؛ ليكون ذلك ردعا لهم، وكاسرا من عزمهم؛ مع وطئهم في أضلاعه بعد موته، وإلقائهم على المزبلة جسده مجردا بعد سحبه، وهي الجزرة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا لبناته وأياماه وعقائله؛ بعد السب والتعطيش، والحصر الشديد، والمنع من القوت؛ مع احتجاجه عليهم، وإفحامه لهم، ومع اجتماعهم على أن دم الفاسق حرام كدم المؤمن، إلا من ارتد بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل مؤمنا على عمد، أو رجل عدا على الناس بسيفه فكان في امتناعهم منه عطبه؛ ومع إجماعهم على ألا يقتل من هذه الأمة مول، ولا يجهز منها على جريح.
ثم مع ذلك كله دمروا عليه وعلى أزواجه وحرمه، وهو جالس في محرابه، ومصحفه يلوح في حجره، لن يرى أن موحدا يقدم على قتل من كان في مثل صفته وحاله.
صفحه ۸