ولما كنا عندهم على غير هذه الصفة، وكنا لكلامنا غير خالقين، وجب أن الله عز وجل لكلامه غير خالق، إذ كنا خالقين لكلامنا. فإنما قالوا ذلك لأنهم لم يجدوا بين كلامنا وكلامه فرقا، وإن لم يقروا بذلك بألسنتهم. فذاك معناهم وقصدهم.
وقد كانت هذه الأمة لا تجاوز معاصيها الإثم والضلال، إلا ما حكيت لك عن بني أمية وبني مروان وعمالها، ومن لم يدن بإكفارهم، حتى نجمت النوابت، وتابعتها هذه العوام، فصار الغالب على هذا القرن الكفر، وهو التشبيه والجبر، فصار كفرهم أعظم من كفر من مضى في الأعمال التي هي الفسق، وصاروا شركاء من كفر منهم، بتوليهم وترك إكفارهم. قال الله عز من قائل: " ومن يتولهم منكم فإنه منهم ".
وأرجو أن يكون الله قد أغاث المحقين ورحمهم، وقوى ضعفهم وكثر قلتهم، حتى صار ولاة أمرنا في هذا الدهر الصعب، والزمن الفاسد، أشد استبصارا في التشبيه من عليتنا، وأعلم بما يلزم فيه منا، وأكشف للقناع من رؤسائنا، وصادفوا الناس وقد انتظموا معاني الفساد أجمع، وبلغوا غايات البدع، ثم قرنوا بذلك العصبية التي هلك بها عالم بعد عالم، والحمية التي لا تبقي دينا إلا أفسدته، ولا دنيا إلا أهلكتها، وهو ما صارت إليه العجم من مذهب الشعوبية، وما قد صار إليه الموالي من الفخر على العجم والعرب.
صفحه ۲۰