لأنكم كيف تستطيعون أن ترتفعوا إلى ما فوق أيامكم ولياليكم إذا لم تحطموا السلاسل التي أنتم أنفسكم في فجر إدراككم قيدتم بها ساعة ظهيرتكم الحرة؟
ألا إن ما تسمونه حرية إنما هو بالحقيقة أشد من هذه السلاسل قوة، وإن كانت حلقاته تلمع في نور الشمس وتخطف أبصاركم. •••
وماذا يجدر بكم طرحه عنكم لكي تصيروا أحرارا سوى كسر صغيرة رثة في ذاتكم البالية؟
فإن كانت هذه الكسر شريعة جائرة وجب نسخها؛ لأنها شريعة سطرتها يمينكم وحفرتها على جبينكم.
بيد أنكم لا تستطيعون أن تمحوها عن جباهكم بإحراق كتب الشريعة التي في دواوينكم، كلا، ولا يتم لكم ذلك بغسل جباه قضاتكم، ولو سكبتم عليها كل ما في البحار من المياه.
وإن كانت طاغية تودون خلعه عن عرشه فانظروا أولا إن كان عرشه القائم في أعماقكم قد تهدم؛
لأنه كيف يستطيع طاغية أن يحكم الأحرار المفتخرين، ما لم يكن الطغيان أساسا لحريتهم، والعار قاعدة لكبريائهم؟
وإن كانت هما ترغبون في التخلص منه، فإن ذلك الهم إنما أنتم اخترتموه ولم يضعه أحد عليكم.
وإن كانت خوفا تريدون طرده عنكم فإن جرثومة هذا الخوف مغروسة في صميم قلوبكم وليست في يدي من تخافون.
الحق أقول لكم، إن جميع الأشياء تتحرك في كيانكم متعانقة على الدوام عناقا نصفيا، كل ما تشتهون وما تخافون، وما تتعشقون وما تستكرهون، ما تسعون وراءه وما تهربون منه؛
صفحه نامشخص