نبی موسی و تل العمارنة
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
ژانرها
4
ويدعم أصحاب هذا الرأي مذهبهم «بانقطاع التاريخ التوراتي عند البطرك يوسف، وتوقف هذا التاريخ تماما لمدة أربعة قرون قضاها هؤلاء في مصر» حسب زعم التوراة، ويطرحون السؤال: لماذا سمح محررو التوراة بهذه القفزة في عرض تاريخهم؟ الإجابة لا شك هي أنهم عبدوا آلهة مصرية؛ مما يشكل لهم عارا تاريخيا، وهو ما جاء في سفر يشوع «انزعوا الآلهة التي عبدها آباؤكم في عبر النهر وفي مصر» (يشوع، 26)، والمعنى هو أن سلالة البطاركة دخلت مصر مع ربها إيل، لكن لتعيش هناك أربعة قرون، وفجأة يخرج قوم من مصر إلى فلسطين، بثقافة جديدة ورب جديد «يهوه السيناوي» مع موسى، ويزعمون أنهم أخلاف أولئك البطاركة الأسلاف، لكن الواضح أن هذه كانت ثقافة وتلك كانت أخرى جديدة تماما؛ «مما يشكك في هوية الجماعة الخارجة من مصر، ومدى انتسابها لهؤلاء البطاركة، وهو ما يطرح السؤال حول هذه الهوية من جديد»!
ومما يؤكد هذا المذهب ووجهة النظر تلك، هو أنه بعد مجيء الخارجين من مصر إلى فلسطين، أن نجد خلافا جذريا بين أبناء الشعب اليهودي، يكاد يقسمه إلى عنصرين بشريين متمايزين، «قسم يحمل اسم يهوذا»، وقد قرر هؤلاء اليهوذيون استيطان جنوب فلسطين على الحدود السينائية، واتخذوا من أورشليم عاصمة لهم، «والآخر يحمل اسم إسرائيل» استقر في المناطق الشمالية من فلسطين، واتخذ من مدينة السامرة عاصمة له.
وعندما قامت مملكة إسرائيل الموحدة زمن شاءول، ثم داود فسليمان، انقسمت فور موت سليمان إلى إسرائيل شمالا ويهوذا جنوبا، ويبدأ سفر صموئيل الثاني بالتمييز بين إسرائيل (وتحوي الاسم الفلسطيني الإلهي إيل في تركيبها) وبين يهوذا المنتسبة إلى «يهوه»، وهو التميز الذي يستمر ويتضح، ويتأكد عبر الأسفار اللاحقة، وبعد أن كان المحرر يستعمل تعبير «كل إسرائيل» للدلالة على القبائل المنتسبة للأسباط الاثني عشر، بما فيها يهوذا، فإنه يبدأ في سفر صموئيل الثاني بالحديث عن إسرائيل ويهوذا، حيث تبدو يهوذا الجنوبية شيئا وإسرائيل الشمالية شيئا آخر.
وتلخص موسوعة تاريخ العالم علاقة هذا الشعب بالإله يهوه، فتقول: «أصبح يهوه إلها لإسرائيل عن طريق موسى، بعد التخلص من الأسر المصري، وكان يهوه في الأصل إلها لجبل مقدس (سيناء أو حوريب)، ثم قاد يهوه - باعتباره إلها قوميا - الإسرائيليين إلى كنعان، وبعد أن أخذ صفات البعول، واستولى على معابدها أصبح إله كنعان بجانب كونه إله إسرائيل، وبإعلانه إلها دوليا للعدل مهد عاموس 750ق.م. الطريق للاعتراف، بأن يهوه هو الإله الواحد في الوجود في إشعيا (40: 8) حوالي 550ق.م. وبالجمع بين هذا اللاهوت النبوي وطقوس العبادة في المعابد التي اقترحها حزقيال في ذلك الوقت نتج دين جديد هو اليهودية.»
وعلينا أن نلاحظ أن عائلة الملك داود التي تعود إلى سبط يهوذا، هي التي حكمت في دولة يهوذا الجنوبية كأسرة واحدة وسلالة واحدة لملوك يهوذا وحدهم، بينما كانت إسرائيل الشمالية قد تناوبت على عرشها تسع أسر مختلفة من القبائل الإسرائيلية في الشمال خلال أكثر من مائتي عام بقليل، ورغم أن المملكتين قد عبدتا يهوه بعد سيادته الأولى على مملكة «كل إسرائيل»، فإن عبادة يهوه كانت في يهوذا أقوى منها في إسرائيل بشكل واضح، وقد اتهمت التوراة الدولة الشمالية إسرائيل بعبادة الآلهة الغريبة، ولحقت هذه التهمة جميع ملوكها، وأدانت نشاطهم الديني، لكنها لم تتهم من ملوك يهوذا بهذه التهمة سوى ثمانية ملوك، لكن كان فيها ملوك أخر مخلصون ليهوه، فبفضل الملوك اليهوذيين آسا وويهو شافاط ويهورام وحزقيا ويوشيا تجددت اليهودية وانتعشت.
ومع ما تعرضت له تلك القبائل من مفارقات تاريخية قاسية، فقد انغلقت على نفسها في حالة نرجسة قبلية، تماهت فيها الجماعة مع الرب يهوه وعبدت يهوه أو عبدت نفسها لا فرق، وقدمت نفسها للعالم كأفضل الأمم، ودينها كأشرف الأديان، وتحولت الجماعة المندمجة بربها إلى بطل قومي، نقل الإحباط من داخل الجماعة إلى خارجها المعادي المخالف، لتحافظ على انسجامها وعلى وحدتها الداخلية، وهو الأمر الذي يتكرر دوما مع الجماعات، التي تتعرض لخطر الضياع من صفحة التاريخ. (1) أقسام العهد القديم
العهد القديم (الكتاب اليهودي المقدس) هو مجموعة كتب وليس كتابا واحدا، يطلق عليها الأسفار جمع سفر أو كتاب، وتسمى في مجموعها التوراة، وهي تسمية مجازية تطلق على كل الكتاب؛ لأن التوراة تقتصر على الكتب الخمس الأولى، من مجموع كتب يشملها هذا الكتاب يصل عددها إلى تسعة وثلاثين سفرا، وقد اتفق على تقسيم هذه الكتب إلى أربعة أقسام هي على الترتيب:
القسم الأول
ويعرف باسم التوراة أو كتب موسى الخمسة أو البنتاتك
صفحه نامشخص