چشمه قدیمی: تابلوهای داستانی
النبع القديم: لوحات قصصية
ژانرها
قال الغراب، كأنه يقرر حقيقة مؤكدة: يمكن أن يكتبها غيرك بعد رحيلك معنا للشط الآخر ...
صحت، وقد نفد صبري: أنا لا يكتبني غيري. لحني لا يعزفه أحد سواي. أحزاني وأفراحي القليلة لم يطلع عليها إلاي. لماذا لا تريدون أن تعطوني مهلة؟ لماذا تمهلون الشجر والحجر والنجم والقمر والطغاة وأمراء الشر، ولا تمهلون قلما يريد أن يعبر عن نفسه ويقدم لقطات من خيبته فوق الأرض، من حكمته أو حمقه، من تجاربه مع الحب والزمن والحياة. الحياة التي قست عليه، ويتمنى أن يسرد لوحات منها حتى لا تقسو على غيره ... لماذا لا تريدون أن تمهلوني قليلا حتى أقول كلمتي ...
قال الغراب، وهو يثبت عينيه الثاقبتين في عيني: - ألم تقل وتكتب ما لم يكن له أي صدى ولا قدم ولا أخر أبدا ...
قلت، وأنا أكاد أبكي غيظا وكمدا: - سيرتي شيء آخر ... حتى ولو لم تترك أي صدى ولم تقدم ولم تؤخر، فهي حلم حياتي الذي عشت لتحقيقه ... ما الذي يضايقكم في أن أحلم قليلا قبل أن أصحو على الموت؟ لماذا تضنون علي بتحقيق هذا الأمل الضئيل؟
انطلق الغراب إلى زملائه، وأخذ يمر عليهم من اليمين إلى الشمال، ومن الغرب إلى الشرق. كانوا يهزون رءوسهم ويتمايلون قليلا، ويصدرون في بعض الأحيان نعيقا قصيرا كأنه صوت النفس الأخير من صدر محتضر. وجاء الغراب أخيرا وهو يحجل وينط ويقفز، كأنه يحمل لي القرار الأخير: - بعد استشارة المسئولين والاتصال بهم بطرق لا تعرفها، نبلغك بأننا وافقنا على المهلة، لكن عليك أن تعمل وأن تعلم ...
قلت، وأنا أهز يدي ورأسي علامة على الشكر والامتنان: - أما العمل فأنا لا أتوقف عنه، لقد ولدت وتعبت وسأظل أتعب حتى أموت ...
قال الغراب وهو يضحك بنعيب بشع: - قل حتى نجيء إليك في المرة القادمة كما جئنا اليوم.
قلت في لهجة راضية مستسلمة: - تقصد على غير انتظار.
قال، وهو يتجه إلى زملائه الذين أخذوا يضربون الهواء بأجنحتهم ويستعدون للانطلاق: - بل أقصد في موعد غير معلوم، لكنه محدد ومؤكد.
وقبل أن أفتح عيني، كانت سحابة الأسراب السوداء قد مرت فوق رأسي في موكب جنائزي مهيب. حاولت أن أنام، لكنها كانت قد أطارت النوم تماما من عيني، وتركتني أنظر من النافذة إلى الحديقة المجاورة التي كانت السحب المتلبدة تنقشع بالتدريج عن سمائها، التي حلق فيها غراب وحيد.
صفحه نامشخص