دللنا على أن العلم بصحة خطابه عز وجل يفتقر إلى العلم بأنه لا يختار فعل القبيح ، والعلم بأنه لا يفعل ذلك يتعلق بالعلم وصفاته الذاتية ومفارقتها لصفات الفعل ، ولا بد من أن تقدم معرفة ذلك ليصح من بعد أن يعرف أن كلامه عز وجل صحيح ، وأن الاحتجاج به ممكن.
فأما إذا كان الكلام مما يدل على الحلال والحرام فلا بد (1) من أن يكون للمحكم مزية على المتشابه من الوجه الذى قدمناه ، وهو فى أن يدل ظاهره على المراد ، أو يقتضى (2) ما يضامه أنه مما لا يحتمل إلا الوجه الواحد من حمل الأدلة ، وليس كذلك المتشابه ، لأن المراد به يشتبه على العالم باللغة ويحتاج (3) إلى قرينة محددة فى معرفة المراد به : إما بأن يحمل على المحكم ، أو بأن يدل عليه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى ما يجرى مجراه. فالمزية له قد ظهرت فى هذا الباب.
وقد بينا فيما يتعلق بالتوحيد والعدل أن للمحكم فى باب الاحتجاج على المخالف مزية ليست للمتشابه ؛ لأنه يمكن أن تبين له أنه مخالف للقرآن ، وأن ظاهر المحكم يدل على خلاف ما ذهب إليه ، وأنه قد تمسك بالمتشابه من القرآن وعدل عن محكمه ، كما تمسك بالشبه فى باب (4) العقليات وعدل عن الأدلة الصحيحة ، وفى ذلك لطف وبعث على النظر ؛ لأن المخالف إن أورد ذلك عليه وهو من أهل الدين مس فى قلبه وأثر فيه ، فحمله ذلك على النظر والتفكر. فلا (5) يجب إذا قلنا فى المحكم والمتشابه ما قدمناه أن لا تثبت للمحكم المزية التى ذكرناها.
صفحه ۹