فأما قوله تعالى ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ... ) فليس يدل (1) على أنه أحب المعصية ، لأن اعتصامه بالكون فى السجن عما أريد منه من المعصية ، طاعة منه ، وإن كان فعلهم معصية ، كما أن الظالم لو أكره غيره على ملازمة الحبس بالقتل ، يحسن ملازمة الحبس افتداء من القتل وإن قبح ذلك من الحابس!
هذا إن ثبت أن المراد ظاهر الكلام ، فكيف وقد يجوز أن يكون يوسف عليه السلام فزع إلى هذا القول كما يفزع المضروب إلى الاستغاثة. وأظهر بذلك شدة التمسك بالتفادى من المعصية ، فقال : إن الحبس مع ما فيه من المشقة الشديدة آثر عندى مما دعيت إليه من المعصية! وهذا بين.
** 355 وقوله تعالى بعد ذلك :
يلطف له بضرب من اللطف ينصرف عنده عما أريد منه من المعصية ، فلذلك قال تعالى من بعد : ( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن ) [34] ولو كان قد اضطره إلى ذلك لم يكن يمدحه عليه!
وقد قال بعض شيوخنا رحمهم الله : إن هذه الآية من أقوى ما يدل على بطلان الجبر ؛ لأنه تعالى بين أنه صرفه عن كيدهن بأن أراه الآيات ، قال : وكيف يصح وهو تعالى خلق فيه إرادة ذلك ومحبته ، وعلى ما رووه : أقعده منها مقعد الطالب للفاحشة فكيف يصح أن يفعل ذلك ، ويوصف بأنه صرفه عن كيدهن ، وأنه أراه الآيات لكى ينصرف عن ذلك؟ وهل هذا إلا وصف لنفسه بالمغالبة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
صفحه ۳۹۳