وعلى هذا الوجه بنينا الكلام فى اللطف بأن قلنا : إنه عز وجل يفعل بالمكلف كل (1) كل ما يكون أدعى له إلى فعل ما كلف ، وهو الذى أراده عز وجل بقوله ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) (2).
فاذا صح ذلك (3) وثبت أن الواجب على المكلف أن يعرف الله تعالى بالنظر فى الأدلة ويحرم عليه الرجوع إلى التقليد فى ذلك ، فكل أمر يبعث على النظر ويصرف عن التقليد فهو أولى فى الحكمة مما الأقرب فيه أنه يدعو إلى التقليد « وإنزاله عز وجل القرآن محكما ومتشابها هو أقرب إلى ذلك من وجوه ، فيجب أن يكون حسنا فى الحكمة ، وأن يكون أولى من أن يجعله كله محكما (4).
فمنها : أن السامع للقرآن والقارئ له إذا رأى المحكم والمتشابه كالمتناقض فى الظاهر لم يكن بأن يتبع أحدهما أولى من الآخر فيما يرجع إلى اللغة ، فيلجئه ذلك ، إذا كان ممن يطلب الدين والبصيرة ، إلى (5) الرجوع إلى أدلة العقول لينكشف له بها الحق من الباطل ، فيعلم عند ذلك أن الحق فى المحكم ، وأن المتشابه يجب حمله على موافقته.
ومنها : أنه عند نظره فيهما جميعا ، والتباس الأمر عليه يحوج إلى مذاكرة العلماء ومباحثتهم ومساءلتهم ما يحتاج إليه فى أمر دينه إذا كان ممن يطلب الفوز والنجاة ، ومتى رجع إليهم وحصلت المباحثة كان ذلك أقرب إلى أن يقف على ما كلف من معرفة الله تعالى ، وكل أمر أدى إلى ما يؤدى إلى معرفة الله فهو أولى.
صفحه ۲۵