وأما قوله عز وجل : ( وما يعلم تأويله إلا الله ) فقد تأوله العلماء على وجهين : أحدهما : أنه عطف بقوله : ( والراسخون في العلم ) عليه ، فكأنه قال : وما يعلم تأويله الا الله والا الراسخون فى العلم ، وبين أنهم مع العلم بذلك يقولون آمنا به فى أحوال علمهم به ، ليكمل مدحهم ، لأن العالم بالشيء اذا أظهر التصديق به فقد بالغ فيما يلزمه ، ولو علم وجحد كان مذموما.
والثانى : أن قوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله ) مستقل بنفسه ، ثم ابتدأ بقوله : ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به ). وحمل أصحاب هذا القول التأويل على أن المراد به المتأول ، لأنه قد يعبر بأحدهما عن الآخر ؛ ألا تراه عز وجل قال : ( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله (1)) والمراد به المتأول والمعلوم من حال المتأول الذى هو يوم القيامة والحساب ومقادير العقاب أنه عز وجل يختص بالعلم به وبوقته ، لأن تفصيل ذلك لا يعلمه أحد من العباد.
فعلى هذا القول لا يجب أن يكون المتشابه مما لا يعلم المكلف تأويله.
ولو كان المراد به ما قاله المخالف ، من أن المتشابه لا يعلم تأويله الا الله ، وأن سائر المكلفين انما كلفوا الإيمان به ، لم يكن لتخصيصه العلماء فى باب الإيمان به بالذكر معنى!! لأن غير العلماء لا يلزمهم الا ما يلزم العلماء ، فلما قال : ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) فخصهم بذلك ، علم أن المراد به أنهم لما علموا المراد بالمتشابه صح منهم الإيمان به فخصهم (2) بالذكر دون غيرهم.
ولو لا أن الأمر كما قلناه (3) لم يكن لجعله تعالى المحكم أصلا للمتشابه معنى ان لم يلزم الا (4) الايمان به!.
صفحه ۱۵