العقاب بخلاف ما يظنه بعضهم أنه إذا لم ينضف إليها فعل الجارحة لم يؤاخذ المرء عليها. ولو قلبت القضية على القوم فقيل : إن أفعال القلوب نؤاخذ بها ؛ لأنها إذا انفردت استحق الذم. ولو انفرد فعل الجارحة عن فعل القلب حتى لا يكون به عالما ولا إليه قاصدا لم يستحق ذلك لكان أقرب. وأفعال الجوارح تفتقر إلى أفعال القلوب فى تعلق المدح والذم بها ، وأفعال القلوب لا تفتقر إليها فى ذلك فكيف يصح ما قالوه؟ (1).
وما روى عن النبى صلى الله عليه أنه قال : « إن الله عز وجل تجاوز لأمتى عما حدثت به نفسها ما لم تعمل به ) (2)، لا يصح لهم التعلق به فى ذلك ؛ لأن ظاهره إنما يقتضى أنه قد تجاوز عن أمته فى أمر مخصوص ، وهو حديث النفس. فالظاهر إنما يريد به الخبر دون الإرادة والاعتقاد ، ولا يؤاخذ الإنسان بأن يتصور الشيء ويتصور الخبر عنه.
ويحتمل أن يراد بذلك الخواطر التى تخطر من قبل الغير ، لأن ذلك قد يوصف بأنه حديث النفس ، ولذلك قال : « ما لم تعمل به ». ولو كان الأول عملا لما اتسق ظاهر الكلام.
ويحتمل أن يريد به : تجاوز عن ذلك ؛ لأن المعلوم أنه يقع فى حكم الصغائر إذا لم ينضم إليه المعاصى ، ولو كان من الباب الذى لا يؤاخذ به لم يكن لقوله « تجاوز عن أمتى » معنى ؛ لأن ذلك إنما يصح فى المعاصى التى عرض فيها ما يقتضى التجاوز عنها. ولو لا العارض لكان فاعلها مؤاخذا بها وهذا بين (3).
صفحه ۱۲۵