والمرء منسوب إلى القرين
فعلى الإنسان أن ينتخب أصدقاءه من عقلاء الناس، وفضلائهم؛ ليكسبوه الفخر، ويعلموه الفضل، وإلا كان عدمهم خيرا من وجودهم، وربما أصاب الصديق من شرهم أكثر مما يصيبه من شر أعدائه؛ لأن المرء واثق بأصدقائه لا يداخله ريب منهم، ولا يحذر سطوتهم، فهو غرض لسهام خطئهم، وربما هجم عليه صديقه بنبال جهله، فأصاب مقتله، وهو لاه عنه غير مستعد لحربه فيشقى بصحبته، أما الأعداء: فهو على يقظة من غدرهم، فلا يمكنهم اغتياله بغتة، وهو مع ذلك يكتسب من عداوتهم التيقظ ومعرفة عيوبه، فيتخلى عن كثير من الرذائل إذا كان عاقلا، ويتحلى بالفضائل؛ ليسلم من ملامهم، فتظهر فضيلته، وتشتد شوكته، وتقوى حجته كما قال الشاعر:
عداي لهم فضل علي ومنة
فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وإذا اختار المرء أصدقاء عقلاء فضلاء دل ذلك على حسن اختياره وفضله؛ لأن المرء يميل إلى مماثله:
وشبه الشيء منجذب إليه
ويجب عليه إذن أن يحرص على مودتهم ويغض النظر عن هفواتهم:
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة
صفحه نامشخص