ومعنى من معاني النور، وهو الإيمان، لأن الإيمان نور، وكذلك القرآن نور، وقد سمى الله القمر نورا والشمس سراجا، والإيمان نورا، وقال :{يخرجكم من الظلمات إلى النور} [الأحزاب: 43].
فهذه المعاني من الأنوار التي ذكرنا مميزة للعقول، إذا ما نظروا إليها بها، فأجروا على الله منها ما يجوز عليه، وما جرى على العباد منها، فعنه عز وجل نزهوا الله ولم ينسبوه إليه.
وأما تأويل :{مثل نوره كمشكاة} [النور: 35] فقد يجوز أن يكون عنى بذلك القرآن في غياهب الوساوس نيرا مضيئا، وبه يبطل كيد إبليس اللعين، وتوهيمه وخدعه، فالقرآن في هذه الأماكن الموحشة، كالمشكاة التي هي الكوة والمصباح في القنديل ينير لما حوله، ويضيء لمن دنا منه.
وقد يجوز أن يكون الله عنى بقوله مثل نور النبي صلى الله عليه كهذا المعنى الذي وصفنا به القرآن، والمعنى: أن النبي صلى الله عليه أضاء لنفسه بنبوته ورسالة ربه، وأضاء لمن دنا منه أو سمع به في الأخبار.
وقد يتجه أن يكون الله أراد به قلب المؤمن أيضا، والإيمان الذي فيه، فمثل قلب المؤمن وكون الإيمان فيهمثل القنديل في المشكاة، فالإيمان يضيء للمؤمن عن كل ظلمة، كما أن القنديل يضيء في الكوة، وتضمحل به الغياهب المدلهمات من الريب، والإيمان يتوقد ويضيء بالحكمة توقدا يظهر شعاع الحكمة، ونورها في كلامه وفعاله، وعلى جوارحه، وهو بعلمه بربه علمه له نور على نور.
واعلم أنه قد يجوز أن يكون معنى قوله :{نور على نور}. أي: نور مع نور، لأن كلامه نور مع عمله، وعمله مع علمه، فهذا نور على نور، أي مع نور. {يهدي الله لنوره من يشاء}. لا من يشاء غيره يهدي، ولو كانت البرية كلها لمن لا يريد هدايته ظهيرا لما اهتدى المرء أدنى الهداية، إلا أن يشاء الله.
وقد يتجه أن يكون الله سبحانه شبه نبيه صلى الله عليه وسلم، كما شبه القرآن والإيمان بالمعنى الذي وصفناه.
صفحه ۳۰۲