باب الرد على من قال: إن الله جسم، وجواب من سأل عن معنى قول
الموحدين: إن الله شيء لا كالأشياء
إن سأل من الخلق سائل أو تعنت متعنت قائل، فقال: ماذا تقولون، وإلى أي معنى من المعاني تذهبون، في الله ذي الجلال وذي الجبروت والمحال، أشيء هو تقولون أم غير ذلك تزعمون؟
قلنا: بل نقول: إن ربنا جل وتقدس إلهنا شيء لا كالأشياء، سبحانه تبارك وتعالى، لا يشبهه ولا يدانيه شيء، ولم يزل سبحانه قبل كل شيء، وهو المشيء لكل الأشياء، المتفرد بالخلق والإماتة والإحياء، الموجد لما يتوهم، أو يرى بالأعين وغيرها من الحواس، من الذوق، والشم، أو السمع أو الحواس. لاتحيط به الأفهام، ولا يقع عليه بتحديد الأوهام، وهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في باطنيته، والباطن في ظاهريته، المتفرد بالوحدانية، البائن بالأزلية، الشاهد الداني في علوه، البعيد النائي في دنوه، كما قال سبحانه: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } [الحديد: 3] وكذلك ربنا الرحمن الرحيم. يعلم ما يكون قبل كينونته، كما يعلمه من بعد بينونته ، علمه بما استجن في قعور البحار، وما انطوت عليه الجوانح من ضمائر الأسرار، كعلمه بما ظهر وأنار، من واضح القول والأخبار. الصمد الذي لا غاية بعده تصمد، والواحد الذي ليس كمثله أحد، لم يكن له مثل ولا ند، ولا يكون أبدا له قبل ولا بعد، مبيد الأحياء، وباعث الموتى، ووارث الآخرة والدنيا.
فإن قال قائل: فماذا تريدون، وما إليه تذهبون بقولكم: (شيء)؟
قلنا: نريد بقولنا (شيء) إثبات الموجود، ونفي العدم المفقود، لأن الإثبات أن نقول: شيء، والعدم أن لا نثبت شيئا، لأن من أثبت شيئا فقد أثبت صانعا مدبرا، ومن لم يثبت شيئا كان في أمره ذلك متحيرا، ودخل عليه ضد الإقرار، وهو النفي والشك والإنكار.
صفحه ۱۶۸