مستفاد
المستفاد من ذيل تاريخ بغداد
ناشر
دار الكتب العلمية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
۱۴۱۷ ه.ق
محل انتشار
بيروت
بكر -. قَالَ: بل الْعَامِل الآخر - يَعْنِي ابْن أبي سرح -، ففتشوه فوجدوا مَعَه كتابا مَخْتُومًا بِخَتْم عُثْمَان يَقُول: إِذا جَاءَك مُحَمَّد بن أبي بكر وَمن مَعَه بأنك مَعْزُول فَلَا تقبل واحتل لقتلهم وأبطل كِتَابهمْ وقر فِي عَمَلك. فَرجع مُحَمَّد وَمن مَعَه وجمعوا الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ على الْكتاب، وسألوا عُثْمَان عَنهُ فاعترف بالختم وَخط كَاتبه وَحلف بِاللَّه أَنه لم يَأْمر بذلك، فطلبوا مِنْهُ مَرْوَان ليسلمه إِلَيْهِم بِسَبَب ذَلِك فَامْتنعَ، فحنقوا وجدوا فِي قِتَاله، فَأَقَامَ عَليّ ابْنه الْحسن يذب عَنهُ، وَأقَام الزبير ابْنه عبد اللَّهِ، وَطَلْحَة ابْنه مُحَمَّدًا، بِحَيْثُ جرح الْحسن ﵁ وانصبغ بِالدَّمِ.
ثمَّ تسوروا على عُثْمَان من دَار بِجنب دَاره، وَنزل عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن أبي بكر فَقَتَلُوهُ صَائِما يَتْلُو فِي الْمُصحف لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمُدَّة خِلَافَته ﵁ اثْنَتَا عشرَة سنة إِلَّا اثْنَتَيْ عشر يَوْمًا، وعمره سَبْعُونَ، وَقيل: أثنتان وَثَمَانُونَ، وَقيل: تسعون. وَمكث ثَلَاثَة أَيَّام لم يدْفن منع محاربوه من دَفنه، ثمَّ امْر عَليّ ﵁ بدفنه.
وَكَانَ معتدل الْقَامَة، حسن الْوَجْه بِوَجْهِهِ أثر جدري، عَظِيم اللِّحْيَة، أسمر اللَّوْن، أصلع، يصفر لحيته، تزوج ابْنَتي رَسُول اللَّهِ ﷺ َ - فَسُمي ذَا النورين، كَاتبه مَرْوَان بن الحكم، وقاضيه زيد بن ثَابت، جهز جَيش الْعسرَة من مَاله، وَأصَاب النَّاس مجاعَة فِي غزَاة تَبُوك فَاشْترى طَعَاما يصلح الْعَسْكَر وجهز بِهِ عيرًا، فَلَمَّا وصل ذَلِك إِلَى النَّبِي ﷺ َ - رفع يَده إِلَى السَّمَاء قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قد رضيت عَن عُثْمَان فارض عَنهُ، وَدخل يَوْمًا على النَّبِي ﷺ َ - فَجعل ثَوْبه عَلَيْهِ وَقَالَ: " كَيفَ لَا أستحي مِمَّن تَسْتَحي مِنْهُ الْمَلَائِكَة ".
قلت: وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ َ -: يَا عُثْمَان إِن اللَّهِ عَسى أَن يلبسك قَمِيصًا فَإِن أرادك المُنَافِقُونَ على خلعة فَلَا تخلعه حَتَّى تَلقانِي يَوْم الْقِيَامَة. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا وَقد دخل عَلَيْهِ: " كَيفَ أَنْت يَا عُثْمَان إِذا لقيتني يَوْم الْقِيَامَة وأوداجك تشخب دَمًا فَأَقُول من فعل بك هَذَا فَتَقول بَين خاذل وَقَاتل وآمر ".
ثمَّ وَقع النَّاس بعده من الْفِتَن وَالْقَتْل فِي محذورين، وَأَقْبَلت عَلَيْهِم سحب أهواء مظْلمَة بقتل ذِي النورين، واستقبحت الْعُقَلَاء فقد صورته المستحسنة على هَذِه الصُّورَة، واستهجنت الفصحاء صرف عُثْمَان قَتِيلا من غير تناسب وَلَا ضَرُورَة وَمَا أحسن قَول كَعْب بن مَالك فِيهِ:
(وكف يَدَيْهِ ثمَّ أغلق بَابه ... وأيقن أَن اللَّهِ لَيْسَ بغافل)
(وَقَالَ لأهل الدَّار لَا تَقْتُلُوهُمْ ... عَفا اللَّهِ عَن كل امرىء لم يُقَاتل)
(فَكيف رَأَيْت اللَّهِ صب عَلَيْهِم الْعَدَاوَة ... والبغضاء بعد التواصل)
(وَكَيف رَأَيْت الْخَيْر أدبر بعده ... عَن النَّاس إدبار الرِّيَاح الحوافل)
وَالله أعلم.
1 / 146