مصطفى النحاس

عباس حافظ d. 1378 AH
42

مصطفى النحاس

مصطفى النحاس

ژانرها

هذا مبحث طبي من بعض نواحيه، كما هو نفسي من نواحيه الأخرى، ولسنا نبغي الإطالة فيه، وإنما نذهب في تناوله موجزين، فإن علاقة الحاسة الجنسية بمزاج الشخص وأخلاقه ومسلكه وتصرفاته ليست مجهولة من كثير من الناس، ولا مستغلقة على الأذهان.

وليس من شك في أنه من الصعب أن يعمل فريق من الناس تحت إمرة رجل محتبس الشهوة، أو مختل الحاسة، فإن ذلك يورث سرعة البادرة، وضيق العطن، وشدة التبرم والضجر، كما يكسب الخشونة وجفوة الطباع.

على أن الذي ينبغي ألا ننساه بسبيل هذا البحث هو أن الجانب الجنسي من الطبيعة البشرية هو من القوة وشدة الأثر ودقة المسرى بحيث يجب على كل فرد أن يجعل له منفسا، ولمطالبه فسحة وموضعا، حتى تهدأ وتسكن ولا تحتجز فتضطرم وتتأجج بها الأعصاب.

ومن ثم لا بد من أن يروح الجانب الجنسي من حياة الزعماء منظما على نحو لا يغض من أقدارهم، ولا يعيب أشخاصهم، ولا ينتقص من كرامتهم؛ فإن ذلك - بلا ريب - معوان على تجديد النشاط وادخار القوى وسلامة البدن؛ كما أن ترك هذا الجانب غير مقيد ولا مزجور من شأنه أن يجعل الإفراط والإسراف والإجهاد والحمل عليه بالعنف مستنزفة تلك القوى ناضبة المورد جافة المعين.

بيد أن زعماء أطهارا استطاعوا الالتجاء إلى «الاستعاضة»؛ فأغنتهم عن إلحاح هذه الحاسة وسلطانها، وكانت استعاضتهم عن طريق المحبة «العائلية»، أو بالانصراف مع الرياضة الدقيقة وأخذها بأتم الاعتدال، إلى متابعة غايات مثلى والتفكير الكلي المستحوذ في مقاصد سامية، وأمثلة عليا، فتيسر لهم بذلك إدماج الدافع الجنسي في مجموع دوافعهم الأخرى حتى تلاشى فيها جميعا، ولم يعد له من أثر فيهم ولا سلطان.

ومعنى ذلك أنه في الإمكان صرف هذا الدافع، والحكمة في رياضته كشهوة السلطان تماما، وتحويله إلى وجه الاعتدال والعفة والتصاون، وذلك من طريق الحب العميق الصادق، أو بالإيمان البعيد الغور بكبار الأماني وسامي المثل وعليا المطالب، أو بمحض تقدير الجمال وتذوقه والمتع البريئة بتأمله وتملية العين منه؛ إذ ليس من شك في أن من خواص الجانب الشهوي أو العاطفي من الطبيعة البشرية، المساهمة في ترقية مدارك المرء، وتهذيب أحاسيسه، وتزكية مشاعره، وإغناء وجدانه، وإكسابه عمق الشعور، ورقة الطباع، وفضيلة العطف والمودة والرفق والحنان، والاستجابة لتقدير الجمال في سائر أشكاله وجملة نواحيه.

الجنرال بريمو دي ريفيرا الإسباني.

غير أنه لما كان هذا الجزء من طبيعتنا شديد الإلحاح في دوافعه، وجب أن يكون أصحاب الشخصيات القوية، أو معاشر الزعماء، على معرفة وعلم قبل كل شيء بطبائعهم، وفهم صحيح صادق لمقتضيات تغليب الدافع الأكبر في نفوسهم على هذا الدافع الملح الدائب، أو الاستعانة بالاعتدال في الاستجابة له على تجديد قوى نشاطهم، فتروح جهودهم في عملهم ومطالب زعامتهم متواصلة متحفزة في غير انقطاع ولا سكون.

وجملة القول في هذا الباب أن عوامل الرياضة المجدية في توهين الدافع الجنسي وتسكين ثائرته وترويض شموسه، هي فترة الإدراك وضبط النفس والتوجيه الحكيم والمجاهدة الفاضلة.

ومن الأعراض التي كثيرا ما تظهر على فريق من الناس بسبب الحاجة إلى إشباع هذه الحاسة، النزوع إلى إيلام الغير والقسوة عليهم والميل إلى تعذيبهم وإيذائهم، وهي حالة نفسية يعرفها العلماء باسم «الساديزم»، ويعنون بها إيلاف اللذة بتعذيب الآخرين، والمشاهد غالبا في هذا المرض أن المصاب به يجد هذه اللذة ولا يشعر ببواعثها الخفية ودوافعها الكامنة.

صفحه نامشخص