الأوفى بث روح التحابب بين الجامعة البشرية. والغادر يبغضه كل من مسه غدره وكل من عرف شيئا من ذلك ، وكلما اتسعت الدائرة بمرور الزمن ازداد التباغض واشتدت عوامله.
ومن هنا ضربوا المثل بغدرة آل الأشعث وقالوا : أعرق العرب في الغدر آل الأشعث فان عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث غدر بأهل سجستان ، وغدر أبوه محمد بأهل طبرستان ، فإنه عقد بينهم وبينه عهدا فغزاهم فأخذوا عليه الشعاب وقتلوا ابنه أبابكر وفضحوه ، وغدر الأشعث ببني الحارث بن كعب وكان بينه وبينهم عهد فغزاهم وأسروه ففدى بمائتي فلوس فأدى مائة وعجز عن البقية ، ولما أسلم أهدره الاسلام ، وغدر قيس ابو الأشعث ببني مراد فإنه كان بينه وبينهم عهد الى أجل وآخره يوم الجمعة فغزاهم يوم الجمعة قالوا له : لم ينته الأجل فكان جوابه أنه لا يحل لي القتال يوم السبت لأنه يهودي فقتلوه وهزموا جيشه ، وغدر معديكرب أبوقيس ببني مهرة وقد كان بينهم صلح فغزاهم غادرا بالعهد فقتلوه وشقوا بطنه وملأوه حصى وقالوا : اشبع لاشبعت يا ابن بغايا ضريه (23).
فالغدر ضامن العثرة ، قاطع ليد النصرة ، والغالب بالغدر مغلول ولا عذر لغادر ، وفي ذلك يقول الشاعر (24):
أخلق بمن رضي الخيانة شيمة
ألا يرى إلا صريع حوادث
وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحافلة بالناس للتعريف بغدرة الغادر فتشهره ليتجنبه الناس (25).
وغدرة خالد بن الوليد ببني جذيمة أعقبت ندما ، وجرت له الخزي حين تبرأ النبي من فعلته وغدرته وذلك أنه صلى الله عليه وآله أرسله هم داعيا لا مقاتلا وكانت بينه وبينهم إحنة فإنهم في الجاهلية قتلوا عمه الفاكهة ، فلما نزل على ماء لهم أخذوا السلام فرقا منه فصاح بهم : ضعفوا السلاح فإن الناس أسلموا فلما وضعوا السلاح آمنين
صفحه ۱۱۴