قال بصوته الهادئ: كح، كح، كح، نعم!
لم يمض وقت طويل بعد كحته الأخيرة هذه حتى قال لي وهو يتأملني من بعيد؛ يتفحصني كفنان يتمعن لوحته التي خلص منها للتو: بسم الله ما شاء الله، إمام جامع بالتمام والكمال!
ثم مد لي المرآة، كان وجهي ليس بوجهي، أقرب منه إلى وجه دمية، على أحسن تقدير وجه مهرج مخبول، كانت العلامة السوداء التي صنعها على جبهتي السوداء أكثر سوادا، ليس سوادا آدميا جميلا كسواد وجهي الذي أورثني إياه جدي عبد الكريم إدريس، كان سوادا يشبه غبينة مرة أحس بها تمزق أحشائي، سوادا مثل حرقة تأكل كرامتي كإنسان، تنشئ في مملكة العبودية والتمييز السلبي مملكة الحزن، تثير فظاعة القبلية، الولاء الحزبي والثلة، توقظ كهوف الظلم مثل نار أوقدتها لتدفئك فالتهمتك، مثل بيضة تفقس في روحك شظايا من نار، مثل جحيم يصبح وطنك الذي تحبه، مثل أن تخون أنت وعيك وثقافتك التي ارتضيتها سلوكا، أحسست بها جرحا عميقا في تاريخي وحضارتي وإنسانيتي، رددت إليه المرآة، قال لي وهو لا يزال طويلا عجوزا مكحاحا ملحاحا: ما رأيك؟
أجابه صديقي علي نصر الله وهو يعطيه مالا: جميلة.
توغلنا في مجاهل سوق ليبيا بين الأكشاك المتهالكة المملوءة بالبضائع الكاسدة الفاسدة؛ أقمشة، أوان، مأكولات تالفة وأخرى طازجة، خردوات، أحذية، إكسسوارات مفبركة، بطيخ، وغيرها، وكلما طال بنا الدوران والتوت بنا الأزقة حاصرتنا الجموع البشرية الذاهبة إلى كل مكان والآتية من كل مكان.
الخرطوم
2 / 6 / 2008
حناء ... الجسد
شرحت له: أنه منذ أن أعلنت عن رقم تليفوني الجوال في الصحافة لم يصمت من الرنين ساعة واحدة، وكنت لا أرفض إلا الطلبات التي يسكن أصحابها بعيدا عن وسط المدينة وليست لديهم عربة تأخذني إلى حيث يسكنون أو الذين لا يقبلون بالسعر الذي أضعة مقابل الخدمات، وأنا لا أبالغ في الأسعار، فغيري يجهز العروس بمبلغ لا يقل عن خمسمائة جنيه، وحنة المناسبات لا يقبلون فيها أقل من خمسين جنيها، أنا أطلب ثلاثمائة جنيه فقط للعروس وثلاثين جنيها لحنة المناسبات وثلاثين أخرى فقط لدلك الجسد بالحلوى؛ لذا كان الطلب علي عاليا، بالرغم من أن (شكار نفسه إبليس) إلا أنه لا توجد امرأة تفوقني خبرة وإجادة وسرعة وإتقانا في تجهيز العروس، وليست هنالك من تستطيع أن ترسم أجمل مما أرسم، أخذت شهرتي ومكانتي في عالم التجميل والنسوانيات تزيد وتتسع يوميا، قال مقاطعا شروحاتي: أعرف أعرف.
قلت له: عشان كده ما سألتك كيف جبت تليفوني وما خفت منك، وركبت معاك العربية مطمئنة.
صفحه نامشخص