موسیقی شرقی: گذشته، حال و آیندهی آن
الموسيقى الشرقية: ماضيها، حاضرها، نموها في المستقبل
ژانرها
يعزفون بمزمار يعرف عندهم باسم «تومريل»، وهو خاص بالثعابين، ويوقعون عليه ألحانا خاصة، فتهرع إليهم الثعابين من جحورها ، وتقف بين أيديهم ذليلة صاغرة وديعة متجردة من ميولها الخبيثة، فيأخذها الطرب فتلعب وترقص على تلك النغمات.
إنني أسرد لكم بعض ما قاله كبار علماء الموسيقى مصداقا لقولي، وإظهارا لشرفها الجم، قال لوثير المصلح الديني الشهير - وكان موسيقيا فاضلا: «إنني أضع بعد الإلهيات مباشرة الموسيقى، وأمنحها الشرف الثاني.»
وقال «بيتهوڤن» نابغة الموسيقيين: «الموسيقى وحي أعظم وأرفع من جميع الأخلاق والفلسفة. إن هي إلا رحيق ينعشنا ويؤهلنا لجديد الابتداع، بل هي الحياة الخيالية منضمة إلى الحياة المادية، وهي الموصل الوحيد إلى العالم الأعلى؛ عالم المعرفة الذي يشعر به الإنسان، ولا يستطيع ولوجه، وبها ندرك العلم الكامل الإلهي.»
وقال «ڤاجنر» الموسيقي الطائر الصيت: «القلب هو الصوت، وما الموسيقى إلا لغته الفنية، بل الهوى الذي يفيض ويسيل من الأفئدة.»
وقال غيره: «الموسيقى لغة غزيرة المعاني، خفية الأسرار، توقظ التقوى، وتخاطب الشعور مباشرة بغير واسطة.»
إن أنعمنا النظر في الفنون الجميلة؛ كالشعر والموسيقى والتصوير والحفر والتمثيل والرقص، لوجدنا أن الموسيقى أكثر تداولا وانتشارا حتى بين الأمم الوحشية، فأصبحت كأنها من لوازم الحياة.
لا توجد أمة متمدينة أو وحشية إلا والموسيقى منتشرة بينها، وإذا تصفحنا التاريخ وجدناها في العصور الخالية. وأقدم دليل هو صورة محفورة على الأحجار تمثل شخصا يوقع على آلة موسيقية تسمى «هارب» وجدت في بلاد الكلدانيين، وعثر عليها المسيو «سرزيك» في قصر «تللو» على الشاطئ الأيسر من قناة تربط الدجلة بالفرات. وقد قرر تاريخها أفاضل العلماء مثل «پواتييه» بثلاثين قرنا قبل الميلاد، ولا مشاحة في أن الموسيقى أقدم من الشعر، وهي التي نفحته بقوانينه الخاضع لها.
ترتبط الموسيقى بأجمل العلوم، ويتسنى طرق أبوابها من جهات مختلفة، وفضلها لا يلبث أن يظهر من جميع الوجوه؛ إذ تتعلق بالطبعي والفسيولوجي، فإن كانا مزودين بطرق التحاليل والبحث العالية حددا نواميسها، وكشفا لنا فيها عالما مفعما بالعجائب. وترتبط بالفيلسوف الذي يستطيع أن يبين لنا أنها تسعد النفوس بشريف العواطف وجليل الفكر، وتتعلق بالمؤرخ الذي يظهر لنا تقدمها وما صادفها من التقلبات، وعلاقاتها بالتاريخ العام للأخلاق والعادات ، ودورها في حركات المدنية، وترتبط بعلماء الجمال فتنفحهم مقرا رفيعا غريبا يدرسون فيه آيات جمالها وأشكالها.
نشأة الموسيقى العربية
تنشأ الموسيقى مع العمران إذا توفر وتجاوز حد الضروري إلى الحاجي ثم إلى الكمالي؛ إذ الإنسان مطبوع بفطرته أن يبحث أولا عن ضرورياته، ثم عن حاجياته التي هي أهون من الضروريات، فإذا خلا باله، واطمأن ضميره؛ تفنن في الكماليات والملذات، وأفضلها عند جميع الأمم الموسيقى. وقد نشأت وأزهرت في بلاد فارس قبل ظهورها في بلاد العرب بقرون، فاهتم بها الأكاسرة، وأحلوها المحل الأرفع، ودونوا أصولها وقواعدها وقوانينها حتى أصبحت منبعا سائغا نهل من موارده الشرق بأجمعه.
صفحه نامشخص