موسیقی شرقی و آواز عربی
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
ژانرها
يذيق الفقير من مختاره
كان لرجل حمار يناهز السبعين امرأة فتانة المحاسن رشيقة القد ، وكان يحبها إلى حد العبادة، ولما حملت منه وعدها وعدا وثيقا بأنه يأتي بعبده الحمولي ليغني إذا وضعت ذكرا، وأردف وعده بالطلاق ثلاثا، وولدت ولدا ذكرا فوجد نفسه أمام أمر واقع فاكتأب لوقوع الطلاق حتما إذا لم يغن عبده، وبعد أن قلب الزوجان الرأي ظهرا لبطن ذهب الحمار إلى منزل الأخير يقدم رجلا ويؤخر أخرى وقص عليه الواقعة بحذافيرها؛ فرق عبده لحاله ولبى طلبه، وما كان منه حتى أرسل إلى داره فراشا نصب أمامها سرادقا يناسب المقام، وعهد إلى طباخ في إعداد ما لزم من مأكل ومشرب وغنى على تخته المشهور إلى أن شابت ناصية الليل كأنه مكافأة بأعلى أجر، ثم ما لبث أن نزل من التخت حتى أفرد منديلا بادر إلى أن وضع فيه مبلغا من جيبه ومده للحاضرين فجمع خمسين جنيها دفع منها المصروفات العمومية على ما سبق الإيماء إليه، وناول الحمار ما بقي منها ليصرف على زوجته في النفاس، وبذلك الصنيع الجميل خلصت زوجته من الطلاق، وأمست حليلة له تقاسمه السعادة والهناء.
وإليكم ما جاء بمصباح الشرق: صادف عبده بعد السهرة في الطريق رجل لا يعرفه وقال إن ابنه مطلوب للخدمة العسكرية، وليس معه شيء من البدل ليعفيه منها، فأخرج من جيبه صرة الدراهم التي تقاضاها أجرة الليلة وأعطاها له. وبلغه أن أحد تجار طنطا وقع في ضيق يخشى عليه فيه من الفضيحة؛ فجمع ما لديه من الدراهم وأعطاه خمسماية جنيه ليستعين بها في عسرته ويحفظ صيته في تجارته.
ودعي للاحتفال بليلة خيرية في مدينة سوهاج بأجر قدره ثمانون جنيها، ولما رأى القوم يتبرعون بالمال وثب من فوق التخت ووقف في وسطهم قائلا لأعضاء الجمعية «ولم تحرمونني التبرع مثلكم؟ وتنازل عن الثمانين جنيها» ا.ه.
الفصل السادس
«ساكنة» أستاذة «ألمظ»
لما كانت المرحوم (ساكنة) أقدم المغنيات (العوالم) عهدا رأيت لزاما علي أن أتكلم عليها أولا في هذا الباب الذي أفردته لعبده وألمظ؛ لشدة ارتباطها بالموضوع من حيث «ألمظ» التي أخذت عنها فن الغناء، وقد توخيت دقيق الاستقصاء من الذين عاصروها، وتلمست الأخبار اختطافا وتذريعا فأقول بالإيجاز: إن «ساكنة» هي أول مطربة ظهرت في مصر في عهد عباس الأول، حيث بزغ نجم سعدها في سماء الغناء وزاد ضياء حتى عهد ساكن الجنان سعيد باشا والي مصر، وكانت متصفة بحسن الصوت الذي كانت ترسله إرسالا بدون عناء، فيبلغ صداه الرائح والفادي، والبعيد والقريب، وقد أعجب بها الترك الذين كانوا مقيمين في مصر ولقبها العامة بلقب «بك»، وكان لها مزاح يضحك الحزين، ويفرح قلب العابد؛ لما انطوت عليه من تهذيب لسان، وخفة روح، وقوة البديهة، وسرعة الخاطر، وكان المزاح في ليالي الأفراح عادة مألوفة في مصر حتى في عصر عبده الحمولي الذي كان فيه يحتم على صاحب العرس أن يستحضر مضحكين ينزلان إلى ميدان المضاحكة بين كل وصلة غناء وأخرى تخلصا من الملل في أثناء انتظار تصليح الآلات وطلبا للروح (بالفتح).
واستمرت «ساكنة» تتمتع بحسن الأحدوثة في غنائها إلى أن ظهر في أفق مصر هلال «ألمظ» فأخذ ينمو ويكبر حتى أضحى قمرا منيرا، ولما سمعت «ساكنة» صوتها الرخيم العذب أخذت تتجاهلها، ولكنها لم تستطع صد تيار نجاحها القوي، ومنع إقبال الناس عليها؛ فرأت تفاديا من المنافسة غير المنتجة أن تضمها إلى فرقتها فتكون فيها تابعة لها وتحت إشراف بدون أن تستطيع أن تزري بصيتها أو تنزل من رتبتها، فمكثت معها «ألمظ» مدة تدربت فيها على فن الغناء فحذقته لكن «ساكنة» قد حقدت عليها لعظم وقع غنائها عند الناس، وهي ضمن فرقتها وأخذت تسيئ الظن بها حتى تركتها، وألفت لها فرقة خاصة، وأحرزت خطر السبق، وقضت على صيتها قضاء مبرما، ومن ذلك الحين بدأ نجم «ساكنة» بالأفول، وأخذ الدهر يقلب لها ظهر المجن إلى أن وافاها الحمام بعد أن بلغت سن الشيخوخة، وذلك في عهد المغفور له الخديو إسماعيل.
السيدة «سكينة» المطربة الشهيرة «بألمظ».
أما «ألمظ» فاسمها الحقيقي «سكينة»، واسمها الفني «ألمظ» وهو تحريف الماس تشبها بماله من بهاء ورونق ولمعان، وإشارة إلى ما لها من صوت رخيم رنان وجاذبية. أما صناعة والدها، فقد تضاربت آراء الرواة عنها وتباينت أقوالهم فيها. فمنهم من ذهب إلى أنه بناء، لأنها كانت تحمل قارب المونة على رأسها لتقدمه للبنائين وهي تغني في مقدمة زمرة من الفتيات العاملات معها، ومنهم من قال إنه صباغ، وقد ظهر أن الزعم الأخير هو الأصح، وظلت طريقة الغناء شائعة في مصر في الوجهين القبلي والبحري حتى الآن، وهي تجلب الجذل وتبعث على النشاط في أثناء العمل، وتطلق النفس من عقال السأم.
صفحه نامشخص