موسیقی شرقی و آواز عربی
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
ژانرها
لم تستمع نصح النصوح
يا قلب قد عز الدوا
علم عيونك أن تنوح (دور)
لام العذول وما درى
هيهات أن يدري العذول
لو كان يعلم ما جرى
كف الملام ولا يقول
وقد سمعت الأستاذ: محمد السبع، المطرب المعروف ومساعده على التخت يقول بأن تخت عبده يشبه مدرسة أو جامعة فنية متنقلة، يتعلم فيها المحترف جمال الفن ويتضلع من قواعده الأساسية، ويقف على أصوله وفروعه، وإذا لم يتدرب على يديه لا يستطيع أن يفهم عظمة الموسيقى الشرقية وسحرها وتأثيرها في العقول وتغلغلها في النفوس، لما كان يأتيه من ضروب التجديد، وأنواع المفاجآت، وسريع التنقل من نغمة لأخرى، وبالعكس بطريقة فنية بشرط أنه كان يحرص في جميع ذلك على قواعد الفن، ولم يخرج عنها قيد شعره، ليس فقط في كل ليلة بل في كل ساعة وفي كل وصلة غنائية، حتى أن السامع نفسه كان يقرأ في ثنايا أغانيه صفحة من نفسيته أو فذلكة من حياته، ويقف بتعبيره على كنه أفكاره الشخصية وغاياته السامية وميوله الشريفة، ويرجع استظهاره وبيانه إلى ما استخرج من مأساة حياته من عبر وتجارب مما كان باعثا على قوة تعبيره عن عواطف النوع الإنساني على اختلاف مشاربه، وتنوع نزعاته، بمعان سامية انفردت عبقريته بالتطبع بها، وتمثلت فيها المثل العليا بأجلى مظاهرها، فهو الموسيقي المصري المشرق نوره على الآفاق كالشمس، وسيبقى للموسيقى رمزا على مرور الأزمان، وللغناء العربي الذي أحياه، زعيما لا ينازعه منازع.
ومما رواه لي حضرة صاحب العزة مخائيل بك تادرس - رئيس الإدارة بالدائرة السنية سابقا وصديق عبده الحمولي ووالد حضرة الأستاذ تادرس مخائيل تاردس المحامي أمام المحاكم الأهلية والمختلطة - أجتزئ منه بما يأتي لضيق المقام وتفاديا من سأم القارئ قال: «إنه تعرف بعبده الحمولي قبل أن يبلغ رشده يوم كان يلبس جلبابا من التوبيت الأسمر مفصلا على الذوق الإسكندري، ذا فتحة على صدره يتدلى منها أوستيك فضة، وعلى رأسه طربوش صغير غامق اللون من القالب العزيزي. وكان خفيف الروح، سريع الخاطر، رخيم الصوت وكثيرا ما كان يشكو من تهالك المقدم على المكاسب ، وإجحافه بحقوقه، كما كان يفعل به المعلم شعبان قبله حتى انتهى الأمر بقطع الصلات التي كانت بينهما، وأسس لنفسه تختا خاصا وأخذ نجم سعده يضيء ويتجلى في فلك الغناء حتى كسف بتألف شعاعه بهاء من سبقه من المحترفين، والتف حوله القاصي والداني، واستوى على عرش الموسيقى الشرقية في العصر الذهبي لأبي الأشبال المغفور له الخديو إسماعيل الذي كان يجزل له العطايا ويعطف عليه عطف الوالد الحنون؛ جزاء خدمته لفن الغناء العربي، وتشجيعا له على الاستمرار في الإجادة والإتقان - شأن كل حاكم عادل يحرص على فنون قومه وعاداتهم ونزعاتهم ومميزاتهم القومية». وقد سمعت من حضرة مخائيل بك المذكور أن الخديو إسماعيل دعا عبده ليغنيه في قصره ليلة كانت تهب عليه ريح بليل، ولما أراد أن يخلع عنه البالطو الذي كان يلبسه أمره الخديو بالدخول به مع رجال تخته والجلوس على أرض الصالة المفروشة بالسجاد على الطراز العربي؛ ليتسنى للعازفين على الآلات أمثال «القانونجية» وغيرهم أن يقوموا بعملهم بدون صعوبة، فبدأ البلبل الصياح يغنيه أدوارا عربية تتخللها النغمات الساحرة والآهات التي طبقت نواحي السماء، فاجتذب إليه قلب الخديو إسماعيل، وصبت روحه إلى سحر الموسيقى العربية دون سواها فكان يضع يده الكريمة في جيب عبده كلما أعجبته نغمة من نغماته دون أن يعرف غرضه من ذلك، إلا أنه لاحظ أنه مد يده الفياضة إلى جيبه اثني عشرة مرة. ولما انتهت السهرة وخرج من السراي وضع يده في جيبه وقلب فيه طرفه، وإذا به اثني عشر قرطاسا، وفي كل قرطاس مئة جنيه ذهبا، فناول من فوره رجال التخت قرطاسين اثنين واحتفظ بالباقي. فهل وجد بين الملوك من كان أسخى من الخديو إسماعيل يدا؟ كلا وألف كلا، فكان أجود من حاتم، واستمد عبده الجود منه، وبه اقتدى في إغاثة الملهوف، وعمل المعروف. على أنه كان صالحا يقيم الصلاة في مواقيتها، وبارا بوالده، وقد فر من وجهه كما تقدم بيانه لكونه غير راض عنه لاشتغاله بفن الغناء الذي كان وقتئذ يعد في مصر مهنة محتقرة ومسقطة لمحترفيها من عيون الناس. وحدث نقلا عن المقطم الأغر بتاريخ 11/9/934 بتوقيع حضرة: رزق الله شحاتة الموسيقار، «أن الخديو إسماعيل قصد زيارة مديرية الغربية، فأراد سعادة المدير أن يجعل الاحتفال بقدومه في غاية الفخامة والأبهة، ورأى أنه لا يكمل السرور في تلك الحفلة إلا بإحضار أعظم المطربين؛ فدعا المرحوم عبده الحمولي، ورأى أن هذه خير فرصة يسترضي فيها والده عنه، فقال لسعادة المدير أريد أن أطلب منك شيئا واحدا، وهو أن تجعل أبي يرضى عني. فأرسل سعادة المدير تلغرافا في الحال لوالده فحضر الحفلة الليلية، وكان عبده جالسا في حضرة الخديو إسماعيل وحاشيته فدعاه المدير إلى جانبه، وسأله هل أنت غاضب على ابنك، وأنت تراه في حضرة أفندينا، فكان جوابه «أنا وابني وأولادي عبيد لأفندينا، وأقبل عليه وعانقه».
على أن «عبده» كان عفيف النفس عالي الكعب، كتوما إذا أطلعته على دخائلك، ناهيا برجال التخت من المساعدين له والعازفين عن الحط من قدر المهنة ومن قدر شخصياتهم، بدليل أنه كان ينبه عليهم في أثناء الأفراح والأعراس التي أقيمت سنة 1873 احتفاء بزواج أنجال الأمراء توفيق وحسين وحسن بألا يلتقطوا شيئا مهما غلا ثمنه مما كان يبدره الأمراء والأميرات من الجواهر والنقود الذهبية - تلك عادة كانت شائعة في عهده الذهبي بين الناس لا سيما في أفراح أولاد العظماء، والوزراء اقتداء بهم، والناس على دين ملوكهم.
صفحه نامشخص