موسیقی شرقی و آواز عربی
الموسيقى الشرقية والغناء العربي
ژانرها
الموسيقى من أقدم الفنون عهدا في تاريخ الإنسان ، ولا يعلم أصلها بوجه التحقيق على حد سائر الأمور النفسية الأخرى، وقد أدجنت سماؤها وتنكرت معالمها أحقابا متطاولة، لعجز الأقدمين عن استقراء حقائقها، وغفلتهم عن إدراك دقائقها، أو معرفة أسماء الذين اكتشفوا بادئ ذي بدء الأصوات الجميلة ممن احتبلتهم حبول الردى، ولذلك فقد عزي إلى آلهتهم - رجما بالظن - الفضل في إيصال هذا الفن إلى النوع الإنساني.
على أنه ينبغي لنا في هذه الحالة أن نخلد بثقتنا إلى التوراة؛ التي هي المرجع الوحيد الواضح الإعلام المعتبر كمعين نستقي منه الأخبار عن الموسيقى درءا للشبهات، وقد جاء فيها ذكر يوبال من السلالة السادسة لقايين الذي كان أول من عزف على القيثارة والمزمار بحذق أخذ بمجامع قلوب سامعيه، وكانت في زمنه القيثارة مركبة من عشرة أوتار يشبه شكلها مثلثا متساوي الأضلاع. أما المزمار فإنه يختلف عن مزمارنا الحاضر في الطول والحجم، ولا يعلم غيرهما البتة من سائر آلات الطرب قبل الطوفان، وقد نقش أبناء نوح عليهم السلام شكلهما على العامودين الذين شيدوهما تخليدا لذكر اختراعهما بين الأمم الذين ظهروا بعد الطوفان وخدمة للعلوم والفنون الجميلة.
ومما لا تخالطه شبهة أن الموسيقى كانت في أول عهده مقصورة على الصوت الطبيعي إلى أن تنبه الإنسان بذكائه - على سبيل الاتفاق - إلى اختراع الآلات عند سماعه صفير الهواء المتولج في الخصاص والثقوب؛ فاستعمل للنفخ أنابيب القصب، وللعزف أوتار القسي.
ولا ريب أن أقدم الآلات الموسيقية للنفخ، كان - بناء على ما أيده قدماء المؤرخين - المزمار والبوق والناي، وربما كان الأخير أقدمها وهو أول آلة أخذها اليونان عن المصريين القدماء. وليس بخاف أن ما من أمة من الأمم أغفلت هذا الفن الجميل، ولو كانت متوغلة في التوحش والهمجية لما يحيط بها من العوامل الطبيعية، ويكتنفها من الظواهر المؤثرة التي تكسبها جذلا ومرحا، وتثير في نفوسها الميل إلى محاكاتها وتقليدها، وحسبك الهواء فإنه يموج بالموسيقى، ولولا تموجاته وروحاته وغدواته لأضحى غير صالح للتنفس، وما الأرض إلا صدى الكون، وبناء عليه فما على الإنسان الذي حباه الخلاق العظيم بجميل الصوت ولطيف الحس وحب الجمال إلا أن يرفع عينيه نحو السماء ويسبح باسمه الأعلى هاتفا وممجدا وحامدا إياه على عطاياه التي يتنعم بها في كل حين.
كان الشرق على ما جاء في الكتب المنزلة والتاريخ أقدم من الغرب الذي اقتبس عنه المدنية والحضارة والعلوم والفنون، فضلا عن أنه مهبط الوحي ومركز جنات تجري من تحتها الأنهار، وكان بالتالي قدماء المصريين أول وخير أمة بلغت من الثقافة والحضارة والرقي مبلغا جعلها مضرب الأمثال في العالم الذي كان يضرب في ظلمات الجهل، وتبعهم البابليون واليونان والرومان. وإذا سرحنا الطرف في طرائق تفننهم في التحنيط - الذي لا يزال لغزا لم يحله للآن علماء الغرب في عصر الاكتشاف والاختراع للجيل العشرين - وصهر المعادن، وتبسطهم في علم الكيمياء، وضروب الصنائع والفنون الجميلة والبناء والهندسة. وتأملنا ما بلغوه من المراتب العليا في مذاهب الحضارة والبذخ، وما كان لهم من استفحال الملك، أيقنا أنهم أيضا أول من استعملوا الموسيقى في سائر احتفالاتهم الدينية داخل الهياكل، حيث كانت تقدم القرابين لآلهتهم وخارجها، وفي أفراحهم ومآتمهم وساحات القتال تحميسا للجنود، بدليل ما يرى لآلاتها الصوتية والوترية من صور على جدران هياكلهم، وعلى تماثيلهم الضخمة، فضلا عن أن كهنتهم كانوا يتخذون فن الغناء علاجا للأمراض العقلية، فإليهم وحدهم يرجع الفضل في انتشار الفنون والعلوم والصنائع على ما شهد بصحته بييتشر المؤرخ والبحاثة فقال ما ترجمته ملخصا: «إذا أمكنك أن تقصد إلى سراديب الأموات من قدماء المصريين ونفضت ما علق بجثثهم المحنطة من الغبار وعجنته عجنا، واتخذت منه أشكالا وخبزته في فرن، وأسميت تلك الأشكال رجالا قدمتهم نصب عيوننا بصفة وطنيين أو معلمين كان مثلك كمثل من قدم التعاليم القديمة التي أبلاها تناسخ الملوين لجيلنا الحاضر طلبا لفائدته، وخدمة للرقي والحضارة، وقياما باحتياجاته الضرورية».
وقد ذكر ابن خلدون ما يأتي فيما يختص بالغناء لاعتباره عاملا كماليا للعمران، ولازما لحياة الإنسان، لا سيما في مصر، بلد الحضارة والفنون حيث يتعين الاستشهاد به فقال: «وإذ قد ذكرنا معنى الغناء فاعلم أنه يحدث في العمران إذا توفر وتجاوز حد الضروري إلى الحاجي، ثم إلى الكمالي، وتفننوا فتحدث هذه الصناعة؛ لأنه لا يستدعيها إلا من فرغ من جميع حاجاته الضرورية والمهمة من المعاش والمنزل وغيره، فلا يطلبها إلا الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا في مذاهب الملذوذات».
ثم أخذه الإسرائيليون عن المصريين مدة إقامتهم في مصر وجعلوه شعيرة من شعائرهم الدينية، كما كان يفعل المصريون، ولذلك كانوا يؤلفون في معابدهم جوقة للترنيم والعزف، حتى اشتهر بين ظهرانيهم داود النبي - عليه السلام - بتنظيم الأناشيد وترتيل المزامير. وكان معروفا بحسن الصوت، وقد اتفق أن ضاقت عليه الأرض برحبها في أثناء مرض ابنه العزيز، وزاد به الجزع إلى حد أن أهمل نفسه، وامتنع عن الطعام، واتسخت ملابسه، ولكنه لما مات ولده وواراه في التراب اغتسل وبدل ثيابه وحلق رأسه وتعطر وأمسك بقيثارته وعزف عليها ألحانا شجية، ولما سئل عن سبب عزفه أجاب قائلا: «لكي ألطف ما بنفسي من ماضي الجزع الذي لم يغن عني فتيلا إذ أنه قد حل القضاء وولدي لا يرجع إلي بالعويل والبكاء خلافا لي فإني حتما ذاهب إليه ولا حق به».
وقد أخذ اليونانيون الفن أيضا عن المصريين حينما اتصلوا بهم وتعاملوا معهم في أنواع التجارة وغيرها في عهد أمسيس - أحد الفراعنة للدولة السادسة والعشرين - ومهروا فيه وأحكموا أصوله وبلغ منهم مبلغا ساميا حتى أن فلاسفتهم وقفوا عليه جهودهم وحذقوا علمه كسقراط الذي كان يشنف آذان أصدقائه ومعاشريه بغنائه الشجي، وأفلاطون الذي استرسل إليه وأطنب في فضائل الموسيقى قائلا ما معناه: «إنها غذاء النفس ومبعث الاتزان والفطن، وهي عطية آلهة الفنون الحرة، التي تحول ما فينا من شاذ متنقل إلى محكم ثابت، وترد كل تنافر إلى جناس متناسب، وتبصرنا طريق الهدى. وقد أردف أيضا في كتابه: «الجمهورية» ما مؤداه «أن الموسيقى علم يجب تعلمه كالرياضة البدنية. فالأولى تهذب النفس وتصلح ما فسد منها، والثانية تقوي الجسد» وأزيد عليه رمزا إلى مزايا الموسيقى الفريدة في بابها، والجزيلة الفائدة فأقول: إن الزيادة في استعمالها تؤدي إلى زيادة الجذل والسعادة ونعمة البال، خلافا للرياضة البدنية فإن في الإفراط فيها ما يؤدي إلى الإضرار بالجسم لما يكلفه من عناء فوق الطاقة.
ومما يروى في خرافات اليونان أن أرفيوس كان يتسلط بأغانيه على الوحوش الضارية فيجعلها أطوع من بنانه، وكان يستوقف البحار الهائجة، ويرقص الصخور، ويحرك الأشجار فتسجد عند سماعها. وقد ذكر عن قدماء المصريين أن أنفيون بن جوبيتر بنى أسوار طيبة بصوت العود الذي كان يجيد العزف عليه، حتى كانت الحجارة تتجمع وتتلاصق وتتراص بعضها فوق بعض، وذلك في أثناء عزفه، وقال الدكتور: كلارك، البحاثة «إن الغناء على نغمات الموسيقى كان عادة مألوفة عند قدماء المصريين في أثناء قيامهم بالعمل».
أما لفظة موسيقى باللاتينية
صفحه نامشخص