دفع الرجل الحساب ثم خرج من عربة الطعام، وبدأ السير بخطوات مترنحة قليلا وهو يضع يده بخفة على مؤخرة الطفل الرضيع. بدا حبل ربط الرضيع بالظهر ذو اللون الوردي الفاقع في منتهى البؤس. كان الرجل يهمس بشيء على لسانه؛ ولكنها لم تكن أغنية هدهدة للطفل، بل سمعت وكأنها تعويذة لجلب اللعنات. بدون أن نلفت الأنظار تتبعنا نحن الأربعة منفصلين خطوات ذلك الرجل المتعثرة، وظهره الذي يبدو كأنه اختصر كل فقره وكسله وشرور معيشته وكشفها للعلن، ويهتز داخل أنظارنا نحن الأربعة اهتزازات منفرة وبغيضة. أصابعه التي لفها حول مؤخرة الرضيع رفيعة وصفراء، ومع أن شعر رأسه أسود ووفير، ولكن لم يعط أي شعور بالشباب والحيوية. وثمة خرق كبير يفتح فمه واسعا عند ربلة بنطاله من الخلف. وفي النهاية انعطف الرجل إلى حارة جانبية فجأة، وفكرت في أنه سيعود إلى بيته، ولكن الدليل همس لي قائلا: «كلا، الأرجح أنه ذاهب لشراء سجائر.»
كانت تلك الحارة الجانبية تقع على الجهة الخلفية من بيوت الدعارة، والنوافذ المضيئة مغطى نصفها بألواح حجب الرؤية. وقطع جزء من ألواح حجب الرؤية تلك بمربع مساحته ربع متر في ربع متر، وبدت النافذة الزجاجية قليلا من هذا الجزء فقط. أخرج ذلك الرجل في يده قطعة عملة معدنية؛ فئة عشرة «ينات» ودفع بها إلى النافذة. وعرفت ذلك من بعيد؛ لأنه من أجل إخراج عملة العشرة «الينات» أخذ يبحث في جميع أنحاء جسمه، وكذلك أخذ يهز جسده كله كأنه كان يتأمل أن تسقط عملة معدنية عالقة في مكان ما، وبعد تلك الحركات الغامضة، نظر إلى تلك العملة فئة العشرة «الينات» التي أمسكها في قبضة يده أخيرا تحت إضاءة أعمدة الطريق، ثم أخذ يفحصها بارتياب شديد، وبعد ذلك دفع بها خلال النافذة وهو يدق بتلك العملة على الزجاج، كأنها حركات دمية من دمى خيال الظل في منتهى البطء والتكاسل ، وكل ذلك ونحن نرى جميعا ذلك المشهد بوضوح. - «هل يمكن شراء سجائر بعشرة «ينات» فقط؟»
قال الدليل: «بعشرة «ينات» يمكن شراء علبة كاملة من سجائر هيكاري ومعها سيجارتان هدية. ولكن المحتوى عبارة عن إعادة لف ما تبقى من تبغ في أعقاب السجائر المجمعة من الطريق.»
فتحت النافذة الزجاجية فتحة ضيقة، وظهرت منها يد امرأة على ما يبدو ممسكة بعلبة هيكاري وسيجارتين هدية. بعد أن أخذ الرجل السجائر، أخرج الثقاب بتباطؤ وحكه فأشعل فيه النار. برز داخل النيران طرف أنف موحشة، وراقية على غير المتوقع. ولقد ارتعد جسمي رعبا عندما اكتشفت أنها بنفس شكل أنف ريكو بلا أدنى شك. - «أخي.»
هكذا صرخت ريكو وتحركت قدامها دون أن تعطيني أية فرصة لإيقافها.
43
الشقيق الذي التفت ناحيتنا، حملق في ريكو بنظرة غضب، ولكنه عندما حاول أن يلف جسمه ويهرب أمسك دليلنا بذراعه.
صرخ الشقيق بنبرة تهديد قائلا: «ماذا تفعل؟»
ولكنه عندما شاهد وجه الدليل المبتسم انحنى برأسه على الفور. ولم يسبق لنا أن شعرنا بقوة تأثير ذلك الدليل ذي النفوذ الهادئ مثل ذلك الوقت.
قال له الدليل: «اطمئن، فلسنا هنا لنضرك، أليس كذلك؟ إن شقيقتك ترغب في لقائك فجئنا للبحث عنك فقط. وهذا الرجل هو طبيبها وما من سبب لكي تقلق.»
صفحه نامشخص